الموانئ شيخوخة المراكب، هكذا أعلن نزا ر قباني ذات جواب وجودي، واليوم في مشهد دراماتيكي يودّع الوسط الثقافي العربي أحد أهم روائييه الكبار الروائي حنا مينه وأعلنت في دمشق أمس عن وفاته عن عمر ناهز ال94 عاماً، حقق فيها حضوراً أدبياً لافتاً ومتنوعاً ما بين القص والرواية وكتابة المقال الأدبي، حيث فاجأ كاتب رواية "العاصفة والبحر" قراءه بأنه لا يريد تأبيناً أو إعلاناً عن وفاته جانحاً إلى البساطة التي وسمت حياته منذ نشأته المليئة بالفجائع والبؤس والعوز. كتب للملحق الثقافي وصدر له كتاب «الرياض» القصة والدلالة الفكرية ورغم أن الروائي حنا مينه المولود في العام 1924 في محافظة اللاذقية المتوسطية ابتعد السنوات الأخيرة عن المشهد الثقافي العربي لمرضه ولظروف بلاده الحالكة إلا أنه ترك رصيداً أدبياً وثقافياً مميزاً توّجه بجوائز عربية عديدة وضعته في مصاف الروائيين العرب الكبار. ورغم النشأة المعوزة لحنا مينه وضعف تحصيله الدراسي المنتظم إلا أنه استطاع تعويض هذا النقص عبر القراءة الجادة التي صقلت قدراته ومواهبه خصوصاً في مجال القص فخلقت منه حكّاء مميزا ينسج من مشاهداته اليومية البسيطة عوالم وفضاءات إبداعية مدهشة. كما أنه من الروائيين العرب الكبار والقلائل الذين أمسكوا بخيط السرد بلغة واضحة وبسيطة لكنها بساطة في عُمق، فهي كتابات تنفر من الترهُّل، ولا تثرثر بلا طائل، ربما لأنه أساساً بدأ قاصّاً واستفاد من هذا الفن القصصي القدرة على التكثيف وتقشّف المفردة وتوظيف الرمز في قصصه، وعزز مسيرته الكتابية الطويلة المتنوعة بغنى وتنوع بين المقالة الأدبية الرصينة مروراً بالقصة القصيرة المتقشّفة وانتهاءً بالرواية الطويلة التي تختال من مخيال خصب وثريّ أجّجته تجربته الحياتية المليئة بالبؤس والمرارة والفقر المدقع في طفولته. كل هذه عوالم تمكّن هذا الروائي الكبير من اسثمارها بشكل خلاّق وكوّن عوالم مدهشة تبعث على التوقف عندها وتأمّلها، سيما عوالم البحر وتقلباته الذي كان قاسماً مشتركاً في جُلّ أعماله لدرجة أن ارتبط أدب البحر برواية حنا مينه وسرده. حنا مينه كان من كتّاب الملحق الثقافي الأسبوعي لصحيفة "الرياض" التي -كانت ولا تزال- تستقطب أهم الأقلام من كتاب وروائيين ومفكّرين عرب لرفد الثقافة العربية وسدّ جوعها الثقافي وشغفها المعرفي بكل جديد في عالم الإبداع، فقد كان مينه كاتباً أسبوعيّاً منتظماً، كما أنه من المشاركين في مبادرة "الرياض" الرائدة "كتاب في جريدة"، فقد أصدر كتاباً نوعيّاً حظي بإقبال كبير من القُرّاء العرب وهو كتاب "القصة والدلالة الفكرية"، وبرحيل حنا مينه يفتقد الوسط الثقافي العربي قامة أدبية كبيرة فقد أثبت خلال مسيرته الروائية الطويلة قدرة الرواية كفن سردي عميق، أثبت أنه وسيط إبداعي مدهش لقارئ شغوف، سيما وأنّ الرواية عند حنا مينه تجتاحها مقاربات وأسئلة وجودية بكثير من الرصانة الفكرية والغوص العميق في عوالم البشر والجماد وأنسنتها، وهو غوص لا يتقصّد الغموض أو التعمية، لكنها السلاسة والبساطة والوضوح التي لا تجعلك حائراً تغرق في لُجّة تأمّلات أو تجريدات جافة لا روح فيها. ولعل من المحزن هو تقشّفه حيّاً وميتاً سيما وأنه أوصى قبل رحيله بسنوات أن لا تقام له جنازة عبر وصية محزنة يقول فيها: "عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدّد على هذه الكلمة، ألا يذاع خبر موتي، في أية وسيلة إعلامية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطا في مماتي". جانب من تكريم الأديب الراحل .. ويتسلم جائزة العويس الثقافية حنا مينه الراحل زائراً مقر الصحيفة ويبدو الزملاء يوسف الكويليت وسعد الحميدين ومحمد الجحلان - رحمه الله - خلال إحدى الندوات تكريم آخر للراحل ..ويتقلد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة Your browser does not support the video tag.