اشتهرت قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي (الطلاسم) بين المهتمين بالأدب والفن، ولحنها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، وغناها بصوته كما غناها غيره، وأشهرهم عبد الحليم حافظ التي لحنت له خاصة، وكما قصائد الشاعر المهجري الشهير أبو ماضي صارت القصيدة تحفظ وتُدرس، ويُستشهد بها، لسهولتها ولسلاسة أسلوبها، ولمعناها المغاير لما كان سائداً، وقد توجَّه بعض الناقدين والكُتَّاب الذين تناولوا بالدراسة شعراء المهجر الشمالي خاصة شعراء (الرابطة القلمية) مثل د. نادرة سراج، وعيسى الناعوري، ومحمد عبد الغني حسن، وجورج صيدح، وسواهم هذه القصيدة بين القبول وعكسه، -وهو قليل-؛ وقد أشار الأديب الشاعر ميخائيل نعيمة في كتابه (سبعون حكاية عمر)، وهو سيرته الذاتية عندما تحدث عن زملائه من الشعراء والكتاب في الرابطة القلمية، كجبران خليل جبران ونسيب عريضة ورشيد الخوري، وأبو ماضي الذي وقف عنده كثيراً بصفته صاحب جريدة (السمير) التي عُنيتْ بنشر كتابات وقصائد شعراء المهجر الشمالي، وقد غمز (= نعيمة) بطريقة رمزية يقلل فيها من ثقافة وشاعرية أبو ماضي، وأنه يقتبس معاني قصائده من الشعر العالمي بما يشبه الاختلاس أو السرقة بالمعنى الصحيح، ولم تلق هذه التهمة الصدى إلا عند بعض أعداء أبو ماضي، وأصدقاء نعيمة من الأدباء الذين أحسنوا استقبال كتابه (الغربال)، الذي كان له صداه في الأوساط الثقافية في الثلث الأول من القرن الماضي، وخاصة في تناوله بالنقد قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي، التي قال عن أحد أبياتها وهو: وكل مسافر سيعود يوما إذا رزق السلامة والإيابا ما معناه، ألا ترون معي أنه يتساوى بل أقل من قول الشاعر المتشاعر: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء أو: الليل ليل والنهار نهار والأرض فيها الماء والأشجار قصيدة الطلاسم بعد مضي ما يقارب القرن من الزمان لا زالت تلقى ما تستحقه من الاستحسان قراءة وسماعا، لما غني من أبياتها، حيث كما هو معروف أن ما لُحِّنَ منها وغُنِّيَ ليس إلا بعض المقاطع، وهي مع الزمن مكان الدراسة عند المهتمين بدراسة ونقد الشعر، وآخر ما قرأت حول هذه القصيدة ما ذكره الشاعر عبد الله حسين جلاب في كتابه (قصيدة النثر / تواقيع) الصادر عن دار الجمل عام (2016) تحدث فيه عن بعض الملاحم القديمة قبل الميلاد، ففي حديث عن (بوسيدو نيوس) الذي ولد في مدينة آفاميا السورية عام 135 ق.م ، ورسم أقدم خريطة للعالم، وذكر أن له قصيدة بعنوان (دعوة للنسيان) منها: «لماذا أنا ولدت؟/ ومن أين أتيت؟/ وكيف حدث أنني موجود حيث أنا الآن؟/ لا أعلم شيئا، وكيف بوسعي أن أعلم أي شيء؟/ أنا كنت لا شيء/ مع هذا ولدت/ وقبل مضي مدة طويلة/ سأموت..». وهذه القصيدة قلده فيها الشاعر إيليا أبو ماضي ب(الطلاسم): جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري! أخيراً ترى هل ما حدث توارد خواطر -وقع الحافر على الحافر- أم تناص، أو تلاص، واقتباس؛ فمهما كان ويكون من محاولات التقليل من شأن الشاعر تبقى قصيدة الطلاسم من القصائد الخالدة لشاعر موهوب عبقري صاحب روح متفائلة متفاعلة مع الجمال: والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا. Your browser does not support the video tag.