يصوّت الأتراك في استفتاء اليوم، على تعديلات دستورية اقترحتها الحكومة لتحويل النظام رئاسياً، بما يعزّز صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يرى في المشروع ترسيخاً لاستقرار بلاده وتنميتها. لكن المعارضة تتوجّس من تشريع «نظام رجل واحد»، محذرة من وضع سكان تركيا «في باص بلا مكابح». وعشية التصويت، مدّ أردوغان يده إلى معارضيه، قائلاً: «لن أغضب من الذين سيصوّتون بلا، ولكن طبعاً مَن سيصوّتون بنعم لديهم مكانة أفضل عندي». وتُعتبر هذه أقوى إشارة «تصالحية» من أردوغان مع معارضيه، بعدما اتهم كلّ من يصوّت لرفض النظام الرئاسي بأنه إرهابي أو انقلابي. كما أعلن تنازله عن «حقّ إعلان الفوز» بعد إعلان النتائج، إذا كانت إيجابية، معتبراً أن «هذا من حقّ رئيس الوزراء بن علي يلدرم الذي سيعلن الفوز إن شاء لله». ورأى الكاتب الإسلامي فهمي كورو أن أردوغان قد يكون يمهد لنتيجة سيئة، على رغم أن الحكومة تؤكد أن 53 في المئة من الأتراك يدعمون المشروع. وتابع أردوغان: «سيكون الأحد نقطة تحوّل في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وسننهي ما بدأناه في 15 تموز (يوليو)»، في إشارة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة. ورأى أن «النظام الرئاسي ضروري لتطوير أمّتنا ونموّها واستقرارها». وكرّر انتقاداته الاتحاد الأوروبي، إذ اعتبره «رجلاً مريضاً»، وتعهد مراجعة العلاقات بين الجانبين، منتقداً قواعد عضوية الاتحاد. في المقابل، ذكّر زعيم المعارضة كمال كيليجدارأوغلو الناخبين باستفتاء نُظم عام 2010، أُقِرّ عبره تغيير نظام القضاء وقوانين أخرى، وتبيّن أن ذلك ساعد جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن على التغلغل في مؤسسات الدولة. وأضاف مخاطباً مواطنيه: «تذكروا أنكم أعطيتم هذه الحكومة صلاحيات واسعة في استفتاء 2010، فعاد علينا ذلك بانقلاب نفذته جماعة غولن، وتأييدكم الآن لصلاحيات واسعة للشخص ذاته الذي طلبها سابقاً، سيأتي بنتائج أسوأ هذه المرة». واعتبر أن تركيا تقف عند «مفترق طرق»، بين نظام برلماني ديموقراطي و «نظام رجل واحد»، وزاد أن تأييد التعديلات الدستورية سيعني «وضع 80 مليون شخص على باص لا نعرف إلى أين يتّجه». وعلى رغم مرور 60 يوماً على الدعاية الانتخابية، أظهر استطلاع رأي أعدّه «حزب الشعب الجمهوري» المعارض أن حوالى 35 في المئة من الناخبين لا يعرفون على ماذا سيصوّتون. وترتفع النسبة إلى 55 في المئة، إذا كان السؤال عن تفاصيل الصلاحيات التي ستُمنح للرئيس وفق التعديلات الدستورية. وبرّر الحزب ذلك ب «احتكار» الحكومة وسائل الإعلام، واستخدامه إياها لانتقاد المعارضة، بدل الترويج لمشروعها وشرحه للمواطنين. وسأل موقع «أوضه تيفي» المؤيّد للمعارضة: «هل يهدم الاستفتاء بأصوات الناخبين، جمهورية قامت على دماء محاربين؟». ويشير بذلك إلى ما تعتبره المعارضة تحوّلاً خطراً في نظام الحكم في تركيا، إذ قد يتحوّل من برلماني إلى رئاسي تنفيذي، بصلاحيات واسعة للرئيس تحيّد دور البرلمان والأحزاب على الساحة السياسية. وترى المعارضة في ذلك خطوة نحو الديكتاتورية، بصرف النظر عمّن سيحكم، إذ إن النظام، في حال إقراره، لن يُطبّق إلا بعد انتخابات تُنظّم عام 2019. ويخوض أردوغان هذا الامتحان للمرة الأولى من دون كثيرين من أنصاره وأعوانه، بعد خلافه مع جماعة غولن، وكذلك بلا قياديين بارزين في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، بينهم الرئيس السابق عبدالله غل ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو اللذان أشارا مرات إلى رفضهما المشروع. ويراهن أردوغان على تمرير النظام الرئاسي والفوز في انتخابات 2019، من أجل إقرار «مشاريع عملاقة»، يتهم القضاء والبيروقراطية والبرلمان بتعطيلها، ويعتبر أن دعم الشعب هذا النظام سيشكّل «رداً على محاولات الغرب تعطيل التنمية والنمو في تركيا». وبصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء، يطالب ساسة كثيرون جميع الأطراف بالتهدئة، محذرين من أن الاستقطاب السياسي بلغ حداً مقلقاً، بدأ ينعكس على الشارع، مهدداً لحمة المجتمع، بسبب تحوّل حملة الدعاية للمشروع الرئاسي إلى حملة تخوين وتخوين مضاد.