ليست قصة واحدة بل مئات يدعي فيها البعض المثالية والعدالة واحترام النظام من دون أن يكون لها أثر حقيقي في حياته، فقدسية القبيلة تتساقط على عتباتها - عند البعض - كل مفردات الأخلاق، ذكر لي أحدهم أن خلافا عميقا ضرب أطنابه بين زميلين يستظلان تحت عشيرة واحدة، لم يدعا لفظا نابيا إلا ولاكاه علنا، حتى باتا في لجة الخصام كالمتردية والنطيحة، وما إن أذن داعي القبيلة حتى اصطف أحدهما مصوتا للآخر عضوا في المجلس البلدي، وعند مكاشفته عن أمانة صوته ونزاهة انتخابه قال: يبقى من أبناء العمومة مهما كان!، أما الآخر فقد تعدى غدرا على جاره بعصا غليظة كادت تقتله، واستطاعت القبيلة تحشيد مسار القضية، وتحويل المظلوم ظالما وبث الخوف، والترويع منه حتى يتنازل رغم أنفه. المحزن حقا أن يحفز شناعة العنصرية المقيتة من يتصدرون بعض المجالس، متدثرين بهالة علمية أو صبغة دينية، فيؤصلون زيفا ما يخالف المساواة، ويتجاوزون نصوصا قطعية الثبوت والدلالة "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، ويشعلون في قلوب الجيل حمية الجاهلية الأولى، يذكرونهم بأمجاد العشيرة وفرسانها، وأبطالها، ويرسمون لهم منهجا في ازدراء المختلف، وكأن انتماءهم - إذا سلمنا تنزلا بشرفه وعلو كعبه - خيار استأذنهم به القدر، كل ذلك دون أن يردعهم أي وازع! أو يوقظهم تواضع صاحب النسب الأشرف صلى الله عليه وسلم، وهو يهون من ارتعد قائما بين يديه قائلا: "إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد"، يقول ذلك كل محب لوطنه يخامره الموت، من دون أن تنخر قواعد البناء الأصيل، أو يتقوض بفعل هذا السباق المحموم صوب مضارب القبيلة وحداتها أصحاب "الشيلات العنصرية"، الذين أحالوا التقدم الفكري والمدني إلى تخلف ورجعية، فمتى يفهم أولئك وغيرهم من أصحاب الحسابات والسنابات والمجالس والملتقيات أن التقوقع القبلي خطر محدق، قاتل للكفاءة والعدالة، وخالق لتنافسية موهومة، وتشظ وتفتت يهيئ في مجمله الفرص للأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر. ليُدِمِ الله لحمتنا الوطنية، ويحمِ بلادنا المقدسة، ويُبقها طودا شامخا عزيزا بقيادة مليكنا المفدى، وولي عهده المسدد. * مدير مكتب المدينةالمنورة Your browser does not support the video tag.