تمُر على الإنسان لحظاتٍ صعبة تحتاج منه إلى وقفاتٍ جادة لاتخاذ قراراتٍ حاسمة؛ كالبدء بمشروع تجاري، اختيار التخصص العلمي، تغيير مسار العمل الوظيفي، أو أي شأن من الشؤون الحياتية، فيكون الإنسان أحوج ما يمكن إلى ما يعينه على اتخاذ قرارٍ صائب في الوقت المناسب، فتلك القرارات التي نتخذها بإمكانها أن تقلب حياتنا رأساً على عقب وتغيرها إلى الأبد. وكوني مررتُ بتلك اللحظات كثيراً وعانيت من صفة التردد، ارتأيت أن أشارك تجربتي في هذا الصدد، فالتردد صفةٌ ناشئة عن شك الإنسان بقدراته لإنجاز عمل أو الإقدام على مهمةٍ ما، وهذه الصفة بإمكانها أن تتلاشى عند معرفة عوامل اتخاذ القرار الصائب؛ كمعرفة إيجابيات وسلبيات ذلك القرار بناءً على المعطيات الحاليّة، وجمع معلومات كافية عن النتائج والعواقب المتوقعة، لكن لا يكون بالقدر الذي يشُق الإنسان على نفسه، لأن ما يحمله القدر من خبايا، أمرٌ لا يستطيع توقعه أي بشر. ولا أن يكون بالقدر الذي يُغرق الإنسان نفسه بالصغائر، الأمر الذي يجعل من عملية اتخاذ القرار معقدة جداً، ثم إن في استعراض البدائل المتاحة في حال عدم تحقق النتائج المرجوة، فتحٌ لآفاق جديدة، وخلقٌ لفرص عظيمة، فالمرونة في التعامل مع أحداث الحياة ومجرياتها صفة كل حصيف عاقل. كما أن للحالة الانفعالية الأثر الكبير على مسألة اتخاذ القرار؛ كأن يتخذ الإنسان قراراً في لحظة اندفاعٍ طائش أو غضبٍ عارم، الأمر الذي يجلب له عواقب وخيمة لا تُحمد عقباها، فكما يقال: "لا تتخذ قراراً وأنت في قمة غضبك، ولا تعط وعداً وأنت في قمة سعادتك". ومن الأمور العظيمة التي تُعين على عملية اتخاذ القرار والمذكورة في ديننا الحنيف؛ الاستشارة والاستخارة. ففي مشاورة أهل العلم والخبرة الخير الكثير، فالمشورة تقوم الفكر، تدعم الرأي، توسع المدارك، وتُثري التجربة الحياتية، حيث قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). والمشورة مخولة فقط لمن علمت فيهم الخبرة، المعرفة والحنكة؛ لأن في كثرة الأصوات الخارجية صرفٌ عن قرارك ومبتغاك فلا تبنِ قرارك على نصائح من ليس عليه العيش مع النتائج. ثم إن في الاستخارة ؛ وهي طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ أو الشيئين تفويضاً لأمره تعالى وتوكلاً عليه وسؤالاً للخير والإعانة عليه وصرفاً عن الشر والرضا بحكمته. وختاماً، اتخاذ القرار فن يحتاج إلى حكمة، جرأة، عزم وإرادة، وقد تكمن الصعوبة كل الصعوبة في الخطوة الأولى، فكن شجاعاً واتخذ قرارك لتحقق أحلامك، وتذكر دائماً "إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة .. فإن فساد الرأي أن تترددا". Your browser does not support the video tag.