الفشل هو نقيض النجاح والتميز، وكل إنسان معرض للفشل وللنجاح، ولكن الموفق من يستثمر فشلة ويحوله إلى نجاح، وهو الأمر الطبيعي الذي يتمشى مع سنة الله عز وجل في خلقه، فقد أوجد الناس وجعل أحوالهم جارية على سنن قدرها وقضاها (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس) الآية (140) من سورة (آل عمران). فالفاشل قد ينجح، والناجح قد يفشل، إذاً فالفاشل ليس هو الذي يقع في الفشل، فذاك سنة كونية، إنما الفاشل من يقع في الفشل ولا يحاول الخروج منه مصداقاً للقول الكريم (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) الآية (18) من سورة (النساء). ولذا فإن للفشل بهذا المفهوم مخاطر عدة منها ما يلي: ) الإحباط أو اليأس، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تلافي الإبداع والتميز والهروب من التحدي والانجاز، كما أن الإحباط يولد الهزيمة النفسية للمجتمع، مصداقاً لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (من قال هلك الناس فقد أهلك) رواه مسلم. ) التهور واللامبالاة، فشعار الكثير ممن وقع في الفشل (خربانة زيدها خراب) وهو أمر غير عقلاني لأن ذلك يؤدي إلى تصرفات غير محسوبة خالية من المنطق والحكمة. ) عدم الإنتاجية بسبب تحكم اليأس الناتج عن الفشل. ) التنازع والفرقة، لأنه حين يستحكم الفشل في الشخص يؤدي به إلى عدم قبول النصح والتوجيه، وعدم قبول الواقع الذي يعيش فيه، ولا يكون لديه هدف أو مشروع يعمل من أجل تحقيقه. ) الحسد، فالفاشل قد توجد عنده نفس انتقامية وحاقدة على كل ناجح أو إبداع، فتراه دائماً كثير الانتقاد والسباب واللمز وازدراء الآخرين والتقليل من إبداعاتهم، وفي هذا الإطار يقول الشاعر: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالكل أعداء له وخصوم وإذا كانت تلك هي مخاطر الفشل فإن له أسباباً، ومنها ما يلي : ) الاختلاف والتفرق، وهو باب للفشل (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الآية (46) من سورة (الأنفال). ولخطورة الاختلاف فقد أدى مثلاً إلى سقوط الأندلس، فقد كان المسلمون بالأندلس (شافعيين وحنفيين) فحصلت بينهم فتنة كبيرة حتى أباد بعضهم بعضا، وهو ما سهل سقوط الأندلس وخروجها من يد المسلمين. ) العجز والكسل، وهما صفتان تؤديان إلى فوات كل ما فيه مصلحة الإنسان ومجتمعه، فمن يتسم بهاتين الصفتين يدور في حلقة مفرغة لا يقدم من خلالها أي مشاركة ايجابية. ) التعصب للرأي، على مبدأ (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد) الآية (29) من سورة (غافر)، أو مقولة (أنا والطوفان من بعدي). ) ادعاء الكمال، عندما يشعر الإنسان بعد حين أنه غير معرض للفشل، فهو يميل إلى عدم التطور والتغيير، فوهم الكمال قناعة زائفة ليست موجودة لدى الناجحين، ولذلك حرص القرآن الكريم على استبعاد عملية الزمن في قضية التربية والإصلاح (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الآية (16) من سورة (الحديد). وحول هذه الآية الكريمة يقول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين). ) الثقة المفرطة بالنفس، فثلاثية الفشل (أنا، ولي، وعندي) هي الهلاك والفشل الذريع، ففي غزوة حنين هزم المسلمون لأن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قالوا لا نغلب اليوم من قلة (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) الآية (25) من سورة (التوبة). ولكي نتلافى السقوط في الفشل يجدر مراعاة الحقائق التالية :- ) ضعف الإنسان ونقصه، فجميع تصرفاته قابلة للخطأ والصواب، والفشل والنجاح، فالإنسان عندما يعي هذه الحقيقة فإنه لا يركن للفشل بل يسعى للخروج منه وتحقيق النجاح. ) الإيمان بالقضاء والقدر، فعقيدة المؤمن هي (واعلم أن ما أخطاك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك) فالمطلوب الاجتهاد والعمل والتوفيق بيد الله (اعقلها وتوكل). ) الاستخارة والاستشارة، فالاستخارة دليل التأني والتريث قبل إبداء الرأي أو اتخاذ القرار، والاستشارة دليل المشاركة والفريق الواحد (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) الآية (159) من سورة (آل عمران). فإذا كان هذا هو شأن النبي عليه الصلاة والسلام الذي يوحى إليه، فكيف بغيره من عباد الله الذين جبلوا على التقصير والنقص والخطأ. ) البداية من انتهاء الآخرين، فالناجح المبدع ليس لديه فشل، إنما تجارب وخبرات، فالسقوط في الفشل تجربة وخبرة عليه أن يستثمرها في بدايته الجديدة. وأخيراً ما الذي يمكن أن نتعلمه من الفشل، وهو كما يلي : ) الفشل لا يعني السقوط للأبد، بل إنه عبارة عن محاولة لم تنجح. ) الفشل يحدد الأصدقاء الأوفياء ويبعد أصدقاء المصالح. ) الفشل يعلم القدرة على الابتسامة للآخرين وقبول الخسارة في أي مجال بروح رياضية. ) يستفاد من الفشل مراعاة مشاعر الآخرين عند فشلهم والتعاطف معهم. ) إن الفشل بدون أب، أما أمه فهو الشخص الفاشل، أما النجاح فله العديد من الآباء والأمهات بالإضافة إلى الشخص نفسه. ) إن مدرسة الفشل باقية ومستمرة وذات أسوار عالية، ولا يستطيع تلاميذها الهروب منها قبل التخرج منها ناحية النجاح، وهي مفتوحة باستمرار لتلاميذها القدامى، وهم في قمة نجاحاتهم لاحتمالية عودتهم للفشل، فالفشل في الحياة حقيقة لا يمكن تجاهلها. ) الفشل قد يكون عاراً أبدياً، وقد يكون مجداً خالداً على حسب التعامل معه، فعلينا أن نختار أياً منهما. [email protected] [email protected] - HOTMAIL-senedy_100@hotmail