حياتنا اليومية حافلة بالمواقف والمشكلات التي تتطلب اتخاذ القرارات Decision making سواء على المستوى الشخصي أو الإداري أو الاجتماعي. فعملية اتخاذ القرارات هي منطلق نشاط الفرد والجماعة في حياتهم الخاصة أو في مجال أعمالهم، وهي تعتبر من مهارات الحياة الأساسية، فنحن نعيش حياتنا من خلال قرارات نتخذها يوميا تمسنا وتمس أسرتنا أو علاقاتنا بالآخرين وتحدد مسار مستقبلنا. كم نخسر عندما تكون قراراتنا مرتجلة أو سيئة التوقيت، أو صعبة التنفيذ، أو فردية دون أن تكون ثمرة جهد جماعي من التشاور، والأسوأ من ذلك التسويف بتأجيل كل شيء ينبغي أن نتخذ فيه قرارا أو التهرب خوفا من التبعات، أو العجز عن تحديد الأهداف وهذا من أعراض التردد الذي يعاني منه الكثير. إن عملية اتخاذ القرار- كما يُعرّفها نيجرو Nigro- هي «الاختيار الواعي للبديل الصالح من مجموعة من البدائل المتاحة في موقف محدد» وهي تعتمد على دعامتين أساسيتين: أولاهما: مجموعة من الحقائق والمعلومات التي يتم جمعها واختيارها للتعرف على مدى صحتها. وثانيتهما: مجموعة من القيم التي تعين الشخص على اختيار البديل الأفضل، فيسهل عليك اتخاذ القرار عندما تحدد قيمك واتجاهاتك. ومن النماذج المطروحة لخطوات اتخاذ القرار نموذج «GOFER»، والكلمة مركبة من الحروف الأولى لمراحل عملية اتخاذ القرارات «أهداف Goals، الخيارات Options، حقائق Facts، نتائج Effects، مراجعة Review» وهي كما يلي: 1- الأهداف Goals: فمن المهم تحديد الهدف بشكل واضح، لأنه نقطة الانطلاق في العملية الصحيحة لاتخاذ القرارات. وفي الحديث «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» [متفق عليه]. 2-الخيارات Options: إن تعدّد الخيارات لطرق تحقيق الهدف يساعدنا في فحص سلم الأولويات، وفي رؤية المشكلة أو الموقف بشمولية وبالحجم الصحيح، ويعتبر تبادل الأفكار أحد أساليب إنشاء عدد كبير من الخيارات، فالاستشارة تعطي رؤية مضافة من تجارب آخرين، وهي من وصايا القرآن الكريم: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ» سورة آل عمران: (159). 3- الحقائق Facts: نفحص في هذه المرحلة كل خيار أو بديل على ضوء الحقائق المعروفة لنا، وكلّما تجمعت لدينا معلومات دقيقة وكاملة حول خيار ما، ساعدنا على دراسته بطريقة متزنة، قال تعالى: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً» سورة الإسراء: (36). 4- النتائج Effects: في هذه المرحلة أيضًا، نفحص كل خيار أو بديل، حسب النتائج المتوقعة منه إيجابية أو سلبية، والقرار الصحيح هو الذي يتخذ بعد النظر في العواقب. وتعد صلاة الاستخارة من أسمى الطرق لاستمداد التوفيق الإلهي، يقول الصحابي الجليل جابر رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: «إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ «هنا تسمي حاجتك» خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ «هنا تسمي حاجتك» شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ». [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1166]. 5-المراجعة Review: من الضروري مراجعة كل خطوات العملية مجددا، وملاحظة بروز معطيات جديدة أو وقوع تغييرات في تقييم الأمور. ولا يعني اتخاذ القرار انتهاء العمل؛ فعلينا أن نراقب آثار القرار بعد تنفيذه، فهذا يتيح لنا فرصة التعلم من أخطائنا، ويعزز كفاءة اتخاذ القرار، وإذا تبين لك أن القرار الذي اتخذته كان خطأً، فلا تثريب عليك بعد ما بذلت من جهد، فلك أجر جهدك وفي الحديث: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». [متفق عليه]. اتخاذ القرار مثل الطاقة الهائلة التي توجد في بذرة متناهية الصغر، وتمثل خطواتك الحكيمة الوسائل التي تعمل علي تحرير هذه الطاقة، فمن أجل تحويل أحلامك إلى واقع يجب عليك البدء باتخاذ القرار، لتنهض بحياتك الشخصية والاجتماعية.