بالرغم من تنامي ثقافة العمل الحر والتشجيع الدائم للشباب لتأسيس مشروعاتهم الصغيرة، إلا أن تلك المشروعات لم تخرج حتى الآن عن التكرار والتقليد الشائع في المشروعات المطروحة والتي تقتصر غالباً على أنشطة محددة في قطاع المطاعم أو المقاهي أو محلات بيع الملابس، والمؤسف أكثر أن تلك المشروعات تقام وسط مناطق ومواقع تزدحم بوجود أنشطة في نفس المجال الأمر الذي يُعجل من فشل المشروع وخروجه من السوق، ومن هنا نتساءل عن الأسباب التي تقف خلف تكرار الشباب للمشروعات التجارية الجاهزة وغياب روح الإبداع أو الابتكار في كثير منها. وفي هذا الشأن أكد رجل الأعمال والباحث الاقتصادي د. عبدالعزيز الرحيلي على أن فكرة الاستثمار ابتداءً تقوم على إجراء قراءة جادة لاحتياجات المستهلكين وإيجاد فجوة بالسوق يمكن أن يملأها المستثمر بمنتجه أو خدمته، وهذا المنطق يوحي للمستثمر بوجود طلب حقيقي بإمكانه أن يوفر مبيعات مجدية تؤمن أرباحاً تشغيلية تضمن للاستثمار الاستمرارية في توليد الأرباح على مدى زمني مدروس. وأوضح أن ما تسعى إليه القيادة الرشيدة في بلدنا هو تشجيع رواد الأعمال من الشباب والشابات لبدء أعمالهم لتكون قاعدةً عريضة داعمة للاقتصاد الوطني حيث توفر حلولاً لمواجهة البطالة ورافداً قوياً لدعم الناتج القومي المحلي، وكثير من المشروعات الصغيرة تم افتتاحها والعمل عليها ولكن الملاحظ أنها تركزت في نشاطات اقتصادية محدودة كالمطاعم والخدمات الشبكية الأساسية ونحوها، مضيفاً "إن المعدل الأميركي على سبيل المثال لفشل المؤسسات الصغيرة هو بحدود ثمانية مشروعات فاشلة لكل عشرة تنشأ، وهذا لا ليكون مبرراً للإخفاقات ولكن لكي نرفع عن رواد الأعمال الحرج عند حصول تعثرات". ويرى الرحيلي أن تقليد الكيانات الناجحة دون إجراء تحسين أو تطوير لنموذج العمل لديها لن يقود بالضرورة للنجاح المأمول، لأن التميز والإبداع هو ما يخلق النجاح المستدام، لافتاً إلى أن فكرة مطاعم "البرقر" والتي استهلكت حسبما يبدو أصبحت من الأفكار التي وصلت للتشبع، مشيراً إلى أهمية الثقافة الاستثمارية الصحيحة بشقيها المالي والإداري لرواد الأعمال، وهذا الأمر ليس بالضرورة أن يتم عبر الدراسة النظامية، فالواقع أن الإنترنت يوفر عبر وسائل التواصل مناهل مفيدة لمثل هذه الثقافة. وأكد الرحيلي على أن هناك عدداً من الصناعات التي نرى فيها طلباً متزايداً ولم يشبع بعد ومن هنا تبرز صناعة الخدمات، فهناك خدمات الصيانة المتنوعة مثل صيانة المباني والسيارات والأجهزة وخلافه وكذلك خدمات الأسر من المتطلبات الواسعة والمتنوعة والتي من الممكن التطوير والتحسين بها، أيضاً يوجد مجال للتوسع في الخدمات المساندة لأعمال الورش والمصانع مثل النقل والتغليف والخدمات اللوجستية المتنوعة. من جانبه أكد الاقتصادي أحمد الشهري على أن متلازمة المحاكاة والتقليد للمشروعات ولا سيما في سيارات وعربات الأغذية والمطاعم والخدمات البسيطة السمة الأبرز في بيئة الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ويعزى ذلك إلى محدودية خبرات المجتمع في ممارسة الأعمال التجارية بشكل عام، بالإضافة إلى غياب دراسات الجدوى المتخصصة في كشف الفجوات الاستثمارية في جميع القطاعات الاقتصادية، وغالباً أن المستثمرين الشباب أصحاب خبرات محدودة في الاطلاع على الاستثمارات والفرص الجيدة من داخل المجمعات الصناعية في الصناعات الخفيفة والمتوسطة أو حتى المشاركة في استقطاع جزء من سلسلة الإمداد والمشتريات في جميع القطاعات بلا استثناء. وقال "للحصول على أفضل الفرص الاستثمارية أنصح المستثمرين الشباب بتحليل حجم الواردات واكتشاف ما هي أكثر المشتريات التي ترد للسعودية من الخارج، فمن خلال تحليل تلك المشتريات يمكن اقتناص فرص مربحة جداً، سواء من خلال تصنيعها أو العمل على توريدها وفتح قنوات تواصل مع المصدرين من تلك الدول واكتشاف خفايا تلك السلع والمنتجات ودراسة مدى الاستثمار فيها، ويظل هذا الأمر مرهوناً بمدى تعاون الجمارك في توفير معلومات دقيقة تساهم في زيادة المحتوى المحلي من الصناعات والمشتريات". وأوضح الشهري أن تكريس الاستهلاك يأتي من كثرة المشروعات في المطاعم والأغذية والتي لا تحمل قيمة إضافية حقيقية ولذا قد تتوهج تلك المشروعات ولكن تتناقص حتى تصبح غير مجدية ومن الملاحظ أن هذه الحالة لا تصيب القطاعات التي تتسم بالإنتاج والتصدير وتلبية الاحتياج المحلي أو الخارجي، مشيراً إلى وجود عدد من الفرص الاستثمارية المربحة حول الصناعات الكبرى مثل الخدمات الفنية أو الصناعية أو توريد المدخلات من المواد الأولية لبعض الصناعات. ومن هنا ننصح وبشدة جميع شباب الأعمال أن يكتشفوا المشروعات المنتجة وعلى وجه التحديد الصناعية من خلال زيارة المناطق الصناعية في المملكة أو حول العالم لاكتشاف فرص مجدية. وبين أن هيئة الصادرات السعودية والتجمعات الصناعية وبنك التنمية والصندوق الصناعي مؤسسات حكومية تحتاج إلى تكامل وتنسيق متبادل لعرض الفرص الاستثمارية على الشركات الوطنية وعلى المستثمرين وعلى شباب الأعمال من خلال برامج مصممة لشباب الأعمال أصحاب الخبرات البسيطة في الصناعة والخدمات التي تضيف قيمة حقيقية للوطن. إلى ذلك أضاف م. ممدوح الشلال وهو عضو لجنة شباب الأعمال بتبوك ومدرب، أن أغلب المشروعات المحكوم عليها بالفشل هي المشروعات التي لا تكون بناءً على وجود طلب واحتياج، كذلك أن لا يكون المشروع من ضمن اهتمامات ومعرفة الفرد، معتبراً هذين الشرطين من أهم ضمانات استمرارية الشباب في قيادة وتطور مشاريعهم. وأكد على أن كل من شاهد مشروعاً ناجحاً وتوقع نجاحه عند تقليده وتكراره سيواجه حتماً الفشل لأن صاحب الفكرة يختلف في إدارته لمشروعه مع صاحب المشروع المقلد، مبيناً أن مجالس ولجان أعمال الشباب تهتم بدورها في توعية وتوجيه وتدريب الشباب وحثهم على اختيارات صحيحة لمشروعات يكتب لها النجاح بإذن الله وتحقق على صعيد آخر إضافة للاقتصاد المحلي. أحمد الشهري م. ممدوح الشلال Your browser does not support the video tag.