وتناولت الدراسة المعايير المستخدمة حاليا في تحديد الفرص الاستثمارية في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وذكرت ان الدراسات والأدبيات المتعلقة بالموضوع تشير الى أن هناك عددا من المعايير غالبا ما يتم الاستعانة بها من قبل أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية وفي كثير من الدول للوصول إلى مجموعة من الفرص الاستثمارية التي يتوقع أن تكون فرصا رائدة ينتج عنها مشروع استثماري ناجح، من هذه المعايير مقترحات الوزارات والجهات الحكومية وغير الحكومية المختلفة. حيث استعرضت الدراسة المعايير الجديدة في تحديد الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاع المنشآت الصغيرة و المتوسطة وذكرت ان المستثمرين من ملاك المنشآت الصغيرة و المتوسطة يستخدمون الربح ممثلاً بالعائد على الاستثمار أو فترة الاسترداد أو صافي قيمة النقود كمعيار رئيس لاختيار الفرص. و مع أهمية هذا المعيار، إلا أنه يجب أن ينظر إليه على أنه نتيجة يتم الوصول إليها عند توفر مسببات معينة. ولكي يتم تحقيق الربح، لابد أن تكون المنشأة قادرة على المنافسة حيث يرى فيها العملاء بديلاً أفضل مقارنة بالمنافسين الآخرين. السؤال الذي تحاول هذه الورقة الإجابة عنه هو (ما المعايير التي يجب استخدامها لتقويم الفرص، و التي يؤدي توفرها لزيادة قدرة المنشأة على المنافسة و بالتالي ربحيتها و استمراريتها؟). 1- توافق الفرصة مع الرؤية و الهوية التجارية ويتضح أن على رجل الأعمال أن يحدد لمنشأته منذ البداية الصورة التي يريد أن تعرف بها مقارنة بالمنافسين. عليه أن يحدد نوع المنتجات و العملاء الذين سيركز عليهم، و كذلك المزايا التنافسية التي ستميز منشأته عن المنشآت المنافسة. تحدد هذه الصورة فيما يسمى بالرؤية Vision ، كما أن النجاح في بناء هذه الصورة في مخيلة العملاء يسمى بالهوية التجارية Branding. إن عدم وجود مثل هذا التصور يعني دخول المستثمر في فرص قد تبدو مربحة، إلا أن قدرة منشأته على المنافسة فيها تعتبر محدودة لعدم استغلال المنشأة لاسمها المعروف و قدراتها التي بنتها و مزاياها التنافسية التي ارتبطت بها. كان لدى أحد رجال الأعمال سوبرماركت ناجح، ثم رغب أن يدخل في مجال جديد هو المطاعم. فتح المطعم الذي استمر أقل من سنة ثم تم قفله. كان الأجدر بذلك الرجل أن يقوم بفتح فروع أخرى للسوبرماركت أو يبدأ في بيع المواد الغذائية بالجملة لكي يستفيد من اسمه المعروف في هذا المجال و يستغل قدراته كالعلاقة مع موردي المواد الغذائية و يحقق تكلفة أقل من خلال الوفورات الاقتصادية. كما أن استغلال فرص لا تتوافق مع الرؤية و الحلم الذي تسعى المنشأة لتحقيقه و لا تتوافق مع الهوية التجارية التي ترغب المنشأة أن تعرف بها يؤدي إلى التشويش على عملاء المنشأة الحاليين بسبب دخول المنشأة في مجالات أخرى أو استهداف شرائح أخرى من العملاء أو اختيار مواقع تنافسية مختلفة. تأثرت سلباً على سبيل المثال مبيعات احد محلات التجزئة المتخصصة في بيع الملابس ذات الجودة العالية لكبار السن بعد دخولها في بيع ملابس الشباب. كما لم ينجح احد المطاعم الذي بدأ ببيع الدجاج المشوي، ثم بدأ بناء على طلب الجماهير بإضافة الأسماك، حيث فقد مصداقيته و قدرته على الاستمرار نظراً لأنه لم يعد يمثل موقعاً محدداً داخل أذهان عملائه. خلاصة ما سبق أن الفرصة الجيدة هي التي تعمل على تحقيق رؤية المنشأة و تدعم بناء هويتها التجارية. و أن تحديد الرؤية و بناء الهوية يتطلبان تحليلاً علمياً و فهماً دقيقاً للتالي: أنواع العملاء بناء على الفوائد و المزايا التي يرغبونها في المنتج، ما يقدمه المنافسون، إمكانات المنشأة. و من ثم يتم اختيار مجال العمل (المنتجات) و العملاء و المزايا التي ترى المنشأة أنها يمكن أن تنافس فيها المنافسين بفعالية و كفاءة و بالتالي تحقق أعلى عائد من استثماراتها. إن اختيار أي فرصة بمعزل عما سبق يعني فرصة غير واقعية و فرصة مضللة. 2- الفرصة قائمة على مزايا صعبة التقليد لابد للمنشآت لكي تحقق النجاح أن تقوم باختيار مزايا تنافسية صعبة التقليد. يلاحظ على أغلب المنشآت الصغيرة و المتوسطة تركيزها على السعر كعنصر وحيد في المنافسة. يأتي هذا التوجه بسبب تشابه المنافسين في المزايا التي يقدمونها، و بالتالي لا يبقى لديهم لجذب العملاء سوى حرب أسعار يخرج الجميع منها خاسرون أو بهامش ربح محدود. يؤدي انخفاض الربح لعدم الاستثمار في تطوير المنتجات مما يعني دوران المنشأة في دائرة مغلقة من محدودية المزايا و السعر المنخفض و بالتالي الربح المحدود. من أمثلة المزايا سهلة التقليد الموقع، الديكور، حملات تنشيط المبيعات كالهدايا، التغليف، عامل واحد متميز (كدكتور في مستوصف أو سباك في مؤسسة مقاولات)، عمالة رخيصة، و توفر مواد خام رخيصة. إن من الأهمية في هذا الجانب عدم الخلط بين المزايا النسبية و المزايا التنافسية. اختيار الفرص اعتماداً على استغلالها لمزايا نسبية تتمتع بها المملكة كعوامل الإنتاج الأولية (الطاقة مثلاً) لا تضمن النجاح لسهولة تقليدها. يحصل التميز عن المنافسين و المحافظة عليه عند استخدام عوامل إنتاج متقدمة كالتقنية الحديثة و العمالة الماهرة المتخصصة و غيره. كما يتحقق التميز نتيجة وجود عدة مصادر مرتبطة ببعض كالتنسيق الفعال بين قسمي التسويق و الإنتاج و العلاقة الجيدة بين المنشأة و الموردين و بينها و الموزعين. بالطبع يمكن تقليد مزايا المنشأة التنافسية و لكن المنافسين مهما عملوا فإنهم لا يستطيعون نسخ كل جوانب الهندسة الاستراتيجية (مجموعة من النشاطات المساندة و المتكاملة) للمنشأة. اذا على رجل الأعمال عند تقويم الفرص المختلفة أن يختار الفرصة التي يمكن أن ينجح فيها بمستوى أفضل من المنافسين، و عليه دراسة الفرص في ضوء نوع المزايا المطلوب التميز بها. إن تقويم الفرص بمعزل عن علاقتها بالمزايا التنافسية و مدى دعمها أو إعاقتها لمزايا المنشأة يعني فرصاً خاسرة. 3- الفرصة و تغيير شكل الصناعة ليس كافياٌ بسبب شدة المنافسة أن تقوم الشركة بعمل نفس النشاطات التي يقوم بها منافسوها و إن كانت أفضل من ناحية الفعالية (المواصفات) أو الكفاءة (قلة التكلفة). المؤسسات القيادية تتبنى فرصاً تؤدي لاختلافات قوية تميزها عن منافسيها و ذلك بتغيير طريقة عمل الصناعة و أصول اللعبة. 4- تأثير بعد العولمة على تقويم الفرص ساهم التطور الهائل في الاتصالات و المواصلات في التوجه نحو العولمة، حيث أصبح بالإمكان البيع على العملاء في جميع أنحاء العالم من خلال الشبكة العنكبوتية. كما أصبح واضحاٌ بعد توقيع أكثر من 140 دولة على اتفاقية منظمة التجارة العالمية أن الحدود الفاصلة بين السوق المحلية و العالمية قد أزيلت، و أنه لابد للقطاع الخاص من صياغة خططه بحيث يهتم بالأسواق الدولية للاستفادة من الوفورات الاقتصادية و التجارب التي يتيحها الانفتاح على الأسواق الخارجية و البيع بكميات كبيرة. و بناء على ماسبق فإن على المستثمرين في تقويمهم للفرص المختلفة من وضع المنافسة العالمية في عين الاعتبار. يمكن للمستثمر السعودي الدخول في الأسواق الخارجية. يوجد لمطاعم الطازج مثلاً سلسلة من الفروع في عدة دول. كما على المستثمرين أن يقدروا إمكانية منافستهم للمنشآت الأجنبية التي تدخل في السوق السعودية. تبنت الدولة و القطاع الخاص سياسة إحلال المنتجات المحلية بدل المستوردة لأجل تخفيف العبء على العملات الأجنبية و تحقيق الربح. ساهمت هذه السياسة في قيام العديد من المنشآت بالعمل في صناعات تستورد المملكة منتجاتها بنسبة كبيرة معتقدة أنها بذلك تضمن النجاح و الربح. ولكن الواقع هو أن تلك المنشآت لم تستطع مواجهة المنافسة الأجنبية. يجدر العلم هنا أن شدة المنافسة المحلية و الأجنبية هي ظاهرة صحية حيث أنها تؤدي للتطوير و البحث عن الأفضل، و بالتالي على المستثمر ألا يرى محدودية المنافسة على أنها معيار للنجاح. 5- الفرصة كنوع من التطوير يجب ألا يرى التميز على أنه ثابت حيث أن رغبات العملاء متغيرة، كما أن المنافسين يقلدون المزايا التي تقدمها المنشأة. على المنشأة مراجعة أدائها و العمل باستمرار على تقوية و تطوير مزاياها التنافسية. يحتاج تحقيق النجاح و المحافظة عليه الى عمل دؤوب من التطوير و الابتكار. هذا قد يشمل طرقا جديدة أو مطورة في عمل تصاميم المنتجات أو طرق الإنتاج، و تبني أساليب تسويقية مبتكرة، الدخول في أجزاء سوقية ذات طلبات معقدة و الدخول في الأسواق الدولية. الخلاصة استخدم المستثمرون في قطاع الأعمال الصغيرة و المتوسطة الفرص الاستثمارية المقترحة من المؤسسات الحكومية و الخاصة دون دراسة و تقويم اعتقاداً منهم أنها مضمونة النجاح. كما قاموا بتبني فرص قائمة على مزايا وهمية أو مزايا سهلة التقليد. اعتمد البعض في منافسته على الرسوم الجمركية المقرة على المنتجات المستوردة و على المشتريات الحكومية المضمونة و الإعانات. كما اعتمد الكثير منهم على عوامل الإنتاج الأولية كرخص المواد الخام و الأيدي العاملة كمصدر للتميز. أدى استخدام تلك المعايير إلى خروج العديد منهم من السوق و إلى محدودية ربح المجموعة المتبقية. إن القرن الحادي و العشرين، قرن التغيرات البيئية المعقدة و السريعة يتطلب أنواعاً مختلفة من المعايير. على المستثمرين دراسة الفرص المختلفة في ضوء شدة المنافسة و عالميتها. كما أن عليهم اختيار الفرص المعتمدة على المزايا صعبة التقليد، و عليهم تطوير قدراتهم باستمرار و البحث عن الفرص التي تحقق لهم السبق. النجاح في الاختلاف لا في التشابه، و في السرعة لا في البطء. أخي المستثمر، * قسم العملاء إلى أجزاء حسب رغباتهم، * إدرس المنافسين و ما يقدمونه، * قدر إمكاناتك، * اختر شريحة واحدة من العملاء، * تميز بمزايا تحقق رغبة هذه الشريحة، * بين مجال عملك و العملاء الذين ستركز عليهم و مزاياك التي تريد أن تعرف بها في رؤية، و لتكن هذه الرؤية مثل الحلم الذي تتمنى أن يتحقق، * اتخذ قراراتك المختلفة في ضوء هذه الرؤية، واسع إلى بناء هوية واضحة لمنشأتك أو منتجاتك، * لتكن مزاياك صعبة التقليد، * كن مبتكراً و حاول أن تغير الطريقة التي تعود عليها المنافسون، * طور قدراتك باستمرار، * وادخل في الأسواق العالمية، * وقبل كل شيء اخلص النية لله تعالى و توكل عليه و ليكن هدفك الأسمى هو رفعة أمتنا و وطننا. * استاذ الاستراتيجيات المشارك ورئيس قسمادارة الاعمال بجامعة الملك فيصل *استاذ الادارة المالية المشارك بجامعة الملك فيصل ومستشار غير متفرغ بمركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية