تنعقد هذه الأيام في ظلال المملكة العربية السعودية، وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- القمة العربية ال29 في وقت بالغ الحساسية والتعقيد في العديد من الدول العربية التي تعاني من مشكلات سياسية وأمنية، ولكن ديدن المملكة العربية السعودية هو لم الشمل وجمع الأمة وتوحيد كلمتها أصرت، إلا أن تنعقد القمة في زمانها ومكانها حتى لا ينفرط هذا العقد، وحتى تحافظ على ديمومة الجامعة العربية ووجودها كمنظمة تجمع العرب تحت سقف واحد وحتى تبث الروح في هذا الجسد حتى يقاوم المؤامرات من حوله والتهديدات التي تحاك ضده؛ لأن المملكة حقاً هي صمام الأمان للأمة العربية، فمنها انطلقت راية التوحيد؛ لتدعو للسلم و السلام. ويأتي انعقاد القمة بعد جولة تاريخية مهمة قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين -حفظه الله- إلى عدد من الدول بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، حيث انطلق ابتداءً بزيارة جمهورية مصر العربية للتأكيد على أهمية مصر، ولتعزيز دورها المحوري في المنطقة بعدما مرت بمصاعب سياسية وأمنية خلال الفترة الماضية؛ ليؤكد أن مصر هي مركز الثقل العربي وقلبها النابض وهي رسالة مهمة لمكانة مصر وحرص المملكة على أمن واستقرار مصر العروبة وقد اتسمت هذه الزيارة بنمط مختلف عن الزيارات البرتوكولية المعتادة حيث شملت الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية، كما التقى سموه مع القيادات الدينية إسلامية ومسيحية، وفي هذا رسالة واضحة للمجتمع المصري العزيز وللعالم أجمع. ثم تلتها الزيارة إلى مركز الثقل الأوربي حيث المملكة المتحدة وقد رأينا كيف كانت اللقاءات، والاجتماعات النوعية مع مختلف القوى السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية ومراكز الثقل الصناعي والعلمي، وبعدها بعدة أيام أتبعها بزيارة تاريخية إلى الولاياتالمتحدة الأميركية التي تربطنا بها علاقة تاريخية منذ عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-، ولا شك أن أميركا هي القوى العظمى المهيمنة في العالم، ومن الصحي أن تربطنا بها علاقة جيدة ولم يكتف سمو الأمير في لقاءاته بالقيادات الحاكمة وأقطاب السياسة، بل شملت كذلك أقطاب الاقتصاد والتكنولوجيا والصناعة والثقافة و الفنون والترفيه، ومن ذلك لقائه مع قيادات شركة أبل، و اتفاقه على فتح باب التدريب للكوادر السعودية في الشركة. وكذلك شركة مايكروسوفت، وشركة أمازون التي تعتبر أكبر متجر إلكتروني في العالم، وشركات الصناعة الكبرى العسكرية والمدنية، وفتح مجال لتعزيز دور شركاتنا الوطنية مثل شركة أرامكو السعودية، وشركة سابك في الساحة الأميركية، كما لم يغفل ما قام ويقوم به الشباب السعودي، ممثلاً في الطلبة المبتعثين من دور تطوعي في الحياة الأميركية؛ ليعكس صورة مشرقة عن شبابنا في الولاياتالمتحدة الأميركية، كما أن سموه -يحفظه الله- يعرف دور الإعلام ومدى تأثيره في حياة المجتمع الأميركي فقد ظهر في أكثر من وسيلة إعلامية منها برنامج 60 دقيقة، مجلة التايم، صحيفة الأتلانتيك، وكالة بلومبريج، وكانت جميعها لقاءات مهمة وشملت تصريحات قوية وجريئة لم يعتدها الإعلام العربي وفيها تأكيد لرؤية المملكة الجديدة، وقد تعدى الخطوط المعتادة في مخيلة الإعلام العربي والوطني. وختم تلك الجولة بزيارة تاريخة إلى عاصمة النور والثقافة باريس لما لها من دور مهم في صناعة الثقافة وصياغة الفنون وفيها تم الاتفاق على تأسيس أول دار للأوبرا في السعودية، وتشكيل فرقة أوركسترا سعودية، وكذلك تفعيل مناطق التراث والآثار التي ظلت غائبة عن المشهد في السعودية خلال الفترات الماضية، ولا شك أن الاحتفاء بسمو الأمير كان مميزاً في جميع محطاته، وفي الواقع كل جولة من جولات سموه تحتاج إلى سردها في مقالة خاصة أو قصة لتدون سلسلة من قصص النجاح التي سيسجلها التاريخ؛ ليقول من هنا بدأت قصة النجاح لأجيال المستقبل حيث مر من هنا الأمير والقائد العربي العظيم محمد بن سلمان ووضع بصمة تاريخية، وبدراسة وتحليل هذه الزيارات واللقاءات نرى فيها أبعاداً سياسية واقتصادية، وليس من السهل أن يقوم بها زعيم سياسي خصوصاً من عالمنا العربي، إلا إذا كان هذا القائد قوياً من الطراز الأول ويملك قدراً كبيراً من الخبرة والمعرفة بالتاريخ وأدوات العصر ويملك رؤية للمستقبل وقادر على وضع الخطط الاستراتيجية وتقييمها وقياس النجاح ومؤشرات الأداء. وكم كنا نحن في المملكة العربية السعودية في أمس الحاجة إلى هذه الزيارات النوعية؛ لتغيير المفاهيم النمطية والخاطئة التي ترسخت في أذهان المجتمعات الغربية بصورة عامة والأميركية بصورة خاصة وبعض ساسته؛ ليحمل رسالة مفادها أن المملكة العربية السعودية الجديدة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، فالسعودية الجديدة ليست نخلةً وصحراء وجملاً ونفطاً، كما هي الصورة المترسخة في أذهان البعض، بل هي دولة حديثة منتجة للطاقة بمختلف أنواعها ومصدرة للتقنية وحاضنة للاستثمارات داعمة للحريات شريكة في صنع السلام العالمي رائدة في التطوير، وفيها كم هائل من الفرص لأبنائها وللكوادرالتي مُيزت بالكفاءة من مختلف دول العالم. وفيها جذب للاستثمارات الخارجية في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتحديث لبنية الاقتصاد السعودي وإيجاد بيئة أعمال متطورة تلائم المستثمرين، وفتح آفاق جديدة لتدريب الشباب بالمملكة، وتعزيز وجود الشركات السعودية الرائدة في الأسواق الغربية والأميركية، وتوسيع نطاق استثمار الشركات السعودية، ورجال الأعمال في الأسواق العالمية. إن الفضل في ذلك كله لله؛ ثم لصاحب هذا الفكر الخلاق وصاحب الرؤية ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الذي نهل العلم والثقافة وتحليل حوادث التاريخ من أبيه الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. واليوم بعد هذه الرحلة الطويلة يشارك الزعماء العرب في مؤتمر القمة العربية ال29 فيا ليت هذه الدول العربية تتعرف عن قرب على فكر سمو الأمير، ويستفيدون من هذه التجارب الناجحة التي يحققها على المستوى المحلي والعالمي، ونسأل الله أن يوفق القادة العرب لاتخاذ ما يخدم مصالح الأمة وشعوبها. *رئيس مجلس إدارة عدد من الشركات Your browser does not support the video tag.