كانت أول زيارة للحكومة السعودية للأراضي الأميركية في عهد الملك عبدالعزيز العام 1943م خلال الحرب العالمية الثانية، وقد كان الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت، وقد رأس وفد المملكة الملك فيصل - رحمه الله - وعمره لم يتجاوز السادسة والثلاثين، وها هو اليوم الأمير الشاب محمد بن سلمان يجدد خمسة وسبعين عاماً من التحالف بين البلدين، مسيرة ثلاثة أرباع قرن من العلاقات تتوطد الآن من جديد من خلال جولة الأمير محمد بن سلمان حول عدد من الولايات الأميركية، والذي يعنى بعضها بالاستثمار والأخرى بالنفط والطاقة؛ وقد حرص ولي العهد أن يصحح الصورة التي يحملها الكثير من الشعب الأميركي عن المملكة، وهي صورة خاطئة ومشوهة، لذلك كانت له العديد من اللقاءات والمقابلات على الصعيد الإعلامي، وكذلك الاجتماعات مع العديد من الإعلاميين ذوي الثقل الكبير من أجل التأثير على الرأي العام الأميركي وحتى الأوروبي، ومن أهم وأبرز محاور اللقاء مع الرئيس الأميركي ترمب كانت فيما يتعلق باستخدام ما بحوزة المملكة من اليورانيوم، حيث إن المملكة تسعى لاستخدامه لتوفير مصدر جديد للطاقة، وفضلاً عن ذلك فإن امتلاك المملكة لليورانيوم بحد ذاته يعزز من قوة المملكة ومكانتها الجيوسياسية؛ ومما تجدر الإشارة إليه أن ذلك لا يشكل أي خرق دولي، حيث إن اليورانيوم مسموح باستخدامه للأغراض السلمية وبنسبة معينة، فالمحظور دولياً هو تصنيع الأسلحة النووية وامتلاكها أو استخدامها، وذلك بموجب اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية والموقع عليها في العام 1968، وقد دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 1970، وكما أن المملكة قد انضمت لهذه الاتفاقية في العام 1988م. أما ما صرح به ولي العهد وأثار أصواتاً وأقلاماً عديدة فيما يتعلق بافتراض تصنيع إيران لقنبلة نووية، حيث أكد الأمير محمد بن سلمان أنه "في حال ثبت أن إيران طورت قنبلة نووية فسنفعل نفس الشيء"، إن ذلك التصريح يسير تماماً مع تيار القانون ولا يخالف القانون الدولي بتاتاً البتة، حيث إن محكمة العدل الدولي قد أقرت في رأيها الاستشاري العام 1996م أن عملية الدفاع الشرعي ضد أي هجوم مسلح لم يتم تقييده بوسيلة حرب معينة أو سلاح معين، كما أنها لم تؤكد عدم مشروعية استخدام الأسلحة النووية كرد لتعرض بقاء الدولة للخطر، وإنما اشترطت في كل الأحوال توافر شرطي الضرورة والتناسب. لقد كانت هذه الزيارة للولايات المتحدة بعد مرور ولي العهد بدولة مصر، والتي تشكل حليفاً عسكرياً في التحالف العربي الإسلامي، ومن ثم كانت الزيارة اللندنية، والتي كان لها الأثر الكبير على الحكومة البريطانية، ففي ظل تداعيات أزمة البريكست في بريطانيا، كانت هذه الزيارة بمثابة فرصة لبريطانيا لتثبت أمام أوروبا أن لها دولة صديقة وتقدم لها استثمارات هائلة ولا حاجة لهم في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أن المملكة طالما كانت بجانب المملكة المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وقد ساندتها ودعمتها في هذا المجال وخاصة ضد تنظيم الدولة "داعش" في سورية. وفي ظل الاحتقان الدبلوماسي الذي تشهده أوروبا وأميركا حالياً، جاءت هذه الجولة لتؤكد متانة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وحلفائها، كما أنها تهدف إلى بناء شراكات استراتيجية وعسكرية واقتصادية. لا عجب في كل هذا الزخم الدبلوماسي والإعلامي، فقائد هذه الجولة هو مهندس الرؤية ذو العقل الحكيم، والمتجه للارتقاء بالوطن، وجعله أحد الأقطاب المحورية في العالم، واكتساب هيبة عسكرية ودبلوماسية إضافية، وإحداث ثورة تقنية وتكنولوجية جديدة، وفتح أبواب الاستثمار على العالم الخارجي، وجعل المملكة وجهة استثمارية واقتصادية وحتى سياحية. Your browser does not support the video tag.