في تاريخ كل أمة يوجد رحالة أو بحار مغامر ينظر له باحترام.. ففي التراث الإيطالي هناك ماركو بولو، وفي الإسباني كولومبس، وفي البرتغالي ماجيلان، وفي الفرنسي كارتية، وفي الإنجليزي جيمس كوك، وفي تاريخنا العربي ابن بطوطة، وابن جبير، وابن فضلان.. أما من الصين، فلا نكاد نعرف منها أحداً.. ولكن الحقيقة هي أن الصينيين يفخرون كثيراً ببحار مسلم يدعى «تشينج هي» (يعرف بالعربية باسم الحاج محمود شمس).. ولد في العام 1371 لأسرة مسلمة من قومية الهوي تحكم منطقة يونان، وتوفي أثناء رحلته الأخيرة في العام 1433.. أُسر في طفولته من قبل الجيش الإمبراطوري (أثناء إخماد ثورة في مقاطعة يونان) فتم خصيه وتربيته في بلاط الأمير تشو دي.. ورغم أنه تربى خادماً، ترقى إلى رتبة أدميرال في البحرية الصينية، وقام برحلات عديدة تحت رعاية أباطرة الصين.. قاد خلال رحلاته أساطيل ضخمة (تجاوزت الثلاث مئة سفينة، وضمت جنوداً وبحارة تجاوزوا الثلاثين ألفاً) ومع هذا كانت رحلاته سلمية تهدف لإظهار هيبة الإمبراطور في العالم.. قام بسبع رحلات بحرية طويلة بين العامين 1405 و1433، حمل خلالها منسوخات ومجوهرات وعقاقير وبضائع بين موانئ العالم.. زار كافة البلدان الواقعة على سواحل المحيط الهندي، والهادي، وجنوب آسيا وإفريقيا، ووصل إلى الخليج العربي وموانئ البحر الأحمر. وكان أول من جلب الزرافات والحمير الوحشية من إفريقيا للصين.. في رحلته السابعة قام بنقل أعداد كبيرة من المسلمين الصينيين إلى جزر الملاوي، فتحولت بفضله إندونيسيا وسومطرة وماليزيا إلى أغلبية مسلمة.. يعتبره الصينيون اليوم رمزاً للمغامرة والشجاعة والتسامح الديني (حيث كان يطلب من بحارته الصلاة لآلهتهم المتعددة من أجل سلامة الرحلة).. له تماثيل ونصب تذكارية في بكين وتايوان وسنغافورة ومقبرة على الطراز الإسلامي في مدينة نانجينع (رغم أن جثته رميت في البحر بعد وفاته).. في العام 2005 احتفلت الصين بمرور600 عام على أولى رحلاته البحرية لاستكشاف العالم.. أقامت متحفاً لعرض الآثار التي جلبها من شتى البلدان وأصدرت عدة طوابع بهذه المناسبة.. تعتبره الصين رسولاً للسلام كونه (رغم ضخامة الأساطيل الحربية التي كان يقودها) استكشف المناطق المجهولة في العالم دون أن يشعل حروباً (كما فعل البرتغاليون في الفلبين) أو يبيد شعوباً (كما فعل الأسبان في أميركا الجنوبية) أو يضطهد السكان الأصليين (كما فعل الإنجليز في إستراليا) أو يعاملهم كعبيد (كما فعل الهولنديون في جنوب إفريقيا).. ورغم أن سجلاته البحرية الأخيرة أحرقت بأمر من الإمبراطور الجديد؛ يصر الصينيون على أن تشنغ وصل إلى أميركا قبل كولومبس (خصوصاً في ظل الدلائل التي تؤكد وصول سفنه إلى المحيط الأطلسي).. وأنا شخصياً أملك في مكتبتي كتاباً بعنوان: «العام الذي اكتشفت فيه الصين أميركا» لمؤرخ بريطاني يدعى جافين منزيس، يؤكد فيه أن تشنغ اكتشف أميركا قبل كريستوفر كولومبس.. يبدأ القصة من أولها، ويشير إلى أن تشنغ أبحر برفقة 300 سفينة تحمل 30 ألف رجل في القرن الخامس عشر؛ لتوسيع نفوذ أسرة مينغ الحاكمة. وفي العام 1421 وصل لسواحل أميركا الشرقية ورسم خرائط بحرية استفاد منها كولومبس أثناء رحلته الشهيرة لاكتشاف أميركا في العام 1492(أي بعد 59 عاماً فقط من وفاة تشنغ)!! على أي حال؛ رغم عدم تأكدنا من وصوله لأميركا المؤكد أن (الحاج محمود) لا يقل قدراً عن ماجلان، وفاسكو دي غاما، وكولومبس الذي مات معتقداً أنه اكتشف الهند. Your browser does not support the video tag.