خلال الأسبوع الماضي - وفي أكثر من صحيفة وموقع - قرأت خبراً عن بحار صيني مسلم اكتشف امريكا قبل كولومبس بوقت طويل. وهذه الفرضية خرج بها ضابط في البحرية البريطانية يدعى منزيس قادته أبحاثه الى أدميرال صيني مسلم اكتشف أمريكا عام 1421. وكان هذا البحار الصيني (ويدعى تشينغ هي) قد أبحر برفقة 300 سفينة تحمل 30 ألف رجل في القرن الخامس عشر لتوسيع نفوذ أسرة مينج الحاكمة.. وفي النهاية وصل إلى أمريكا وأنشأ مستوطنة صغيرة فيها قبل عودته الى الصين مجدداً. وخلال رحلته رسم خرائط بحرية مهمة استفاد منها كولومبس بعد ثمانين عاماً أثناء رحلته الشهيرة لاكتشاف أمريكا (.....)!! هذا الخبر لم يثر اهتمامي في البداية لولا أن وسائل الإعلام (العربية والعالمية) تحدثت عنه وكأنه اكتشاف جديد تماماً.. ولكن الحقيقة هي أنني اشتريت (قبل ثلاث سنوات) كتاباً من موقع Amazon لنفس المؤلف يتحدث عن نفس الاكتشاف (وعنوانه: 1421 العام الذي اكتشفت فيه الصين أمريكا).. اما السبب الحقيقي للضجة التي أثيرت مؤخراً حول هذا الموضوع؛ فيعود إلى أن سنغافورة (التي يغلب عليها العرق الصيني) تنظم هذه الأيام معرضاً مهيباً يجسد المعلومات الواردة في الكتاب ويروج للجهود الصينية في هذا المجال!! - أضف لهذا أن الأدميرال نفسه (تشينغ هي) لم يكن أول بحار مسلم يكتشف أمريكا قبل كولومبس!! .. ففي الجزء الأول من كتاب «حول العالم» أوردت أدلة كثيرة تثبت هذه الحقيقة - من ضمنها أن كولومبس استعان في رحلته الشهيرة بمرشدين مسلمين مغاربة (زاروا أمريكا من قبل)، وأن المكتشف الاسباني فراماركوس دينيز استعان بمرشد مغربي اسمه «إسطفان» قتله الهنود الحمر عام 1539 في نيومكسيكو!! .. وقبل تعاونه مع دينيز كان العربي إسطفان (وهو من قرية أزمور المجاورة للدار البيضاء) قد استكشف مع ثلاثة عرب ولاية فلوريدا لصالح حملة بانفيلودي نارفيز ثم استوطن أريزونا وكان ضمن أول ثلاثة أفراد عبروا القارة الأمريكية... .. أما اذا عدنا الى ما قبل الحملات الاسبانية فنجد ان المسعودي وأبي حامد الغرناطي قد تحدثوا عن ثمانية عرب أبحروا الى أراض جديدة خلف (بحر الظلمات) وعاشوا فيها فترة قبل ان يعودوا إلى المغرب في القرن التاسع الميلادي. وقد وردت سيرة هؤلاء المغامرين - وهم أبناء عمومة - في تحقيقات المؤرخ كراتشكوفسكي، وتم التحقق منها عام 1952 في قسم الجغرافيا في جامعة ويتواتر البرازيلية. وفي كتاب (أحوال التربية الإسلامية في أمريكا) ذكر الدكتور كمال النمر ان بعض البحارة المسلمين انطلقوا من الاندلس (عام 1150م) واستقروا على شواطئ ما يعرف الآن ب «البرازيل».. كما وجدت في اسبانيا تقارير تعود لعام 1790 عن مغاربة مسلمين هاجروا من اسبانيا - زمن الاضطهاد - واستوطنوا جنوب كاليفورنيا وفلوريدا. وحتى اليوم توجد في مكتبة قصر الاسكوريال في اسبانيا خريطة رسمها الجغرافي العربي ابن الزيات تظهر السواحل الشرقية للأمريكتين كدليل على اكتشاف المسلمين للأراضي الجديدة قبل كولومبس بعدة قرون. أضف لهذا ان القبطان التركي «حاجي احمد» (او بيري الريس كما يدعى في الغرب) رسم عام 1513 خريطة مذهلة لسواحل الامريكتين في الوقت الذي كان كولومبوس يعتقد انه اكتشف الهند! .. وأخيراً يوجد في متحف تايوان (التي يغلب عليها كسنغافورة العرق الصيني) مخطوطة تدعى «وثيقة سنج» قدمت عام 1178م الى امبراطور الصين جاء فيها ان البحارة العرب اكتشفوا اراضي جديدة تدعى مولان بي (امريكا حالياً).. وانا شخصياً لا استبعد اطلاع الأدميرال (تشينغ هي) على هذه الوثيقة والاستفادة منها لاحقاً في رحلته - التي تحدثنا عنها في بداية المقال - عام 1421!!