أوضح د. السيد محمد علي الحسيني، أمين عام المجلس الإسلامي العربي أن من الأسباب التي تقف خلف فوز حزب الله بأغلبية المقاعد النيابية الشيعية في لبنان يعود لما تتمتع به من خاصيتين رئيستين، الأولى، نظامه السياسي الطائفي القائم على التوزيع الطائفي والمذهبي للرئاسات الثلاث والمقاعد النيابية وعدد الوزراء وعدد موظفي الدرجة الأولى، والثانية، وأن العمل السياسي قائم أساسا على الخدمات والمنافع، على سبيل المثال لا بد لمن يريد أن يدخل البرلمان أن يكون ضمن تحالف انتخابي قوي يقدم الخدمات للمواطنين على تنوعها. مشيرا إلى أن القانون الانتخابي الجديد جاء ليرسخ ويعمق الطائفية أكثر، من خلال الإبقاء على التوزيع الطائفي للمقاعد، ومن خلال تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل يراعي هيمنة الأحزاب الطائفية، لذلك انعدمت فرص أي مرشحين على المستوى الفردي، إذ ينبغي لأي طامح إلى النيابة أن ينضم إلى لائحة، ما يعني أن الأحزاب الطائفية هي التي ستتحكم بتشكيل اللوائح، وستكون اللوائح الرابحة هي التي تقدم الخدمات، وهذا يعني بطريقة غير مباشرة أن هذه الأحزاب تشتري الولاء وأصوات الناخبين. وقال إن الأحزاب اللبنانية الكبيرة والمتوسطة تعتمد على الخدمات لكسب الجمهور، منها من يدفع من ماله الخاص الآتي من التمويل الخارجي أو الذاتي، ومنها من يستغل مرافق الدولة ومؤسساتها، للتوظيف ولتقديم التسهيلات، أو ليجعل منها مصدرا للإعاشة لكثيرين عبر الرشى والمخالفات القانونية. وأضاف الحسيني أن ما يمكن التأكيد عليه أن حزب الله هو الأقوى في مجال الخدمات، ولا يمكن مقارنة الأحزاب الأخرى به ولو من بعيد، لأنه أقام دويلة داخل الدولة اللبنانية، تقدم جميع أنواع الخدمات المادية لعناصره وأنصاره والجمهور الشيعي الواسع، وبالنسبة لحركة أمل أي نبيه بري، يعتمد على موارد الدولة اللبنانية، إلا أنه لا يمتلك جزءًا يسيرا مما يقدمه حزب الله بفعل التمويل السخي لإيران. وقد نجح الحزب في تشكيل منظومة أمان اجتماعي لبيئته لا يملكها أي حزب آخر في لبنان وهي سلسلة من المؤسسات التي تقدم الخدمات، مثل مؤسسة القرض الحسن وهي تمنح القروض الميسرة للمحتاجين من دون فوائد (ربا) مقابل ضمانات بسيطة، وتكون غالبا منتمية إلى حزب الله أو إلى بيئته، ويستفيد من هذه القروض عشرات آلاف الأشخاص سنويا. ومن المؤسسات الخدمية أيضا الوحدة الطبية والتي تمتلك سلسلة مراكز طبية للطوارئ والعلاج في مختلف المناطق الشيعية، وجمعية الإمداد التي تكفل الأرامل والأيتام والمحتاجين من خلال جمع التبرعات وتحويلها إلى من يحتاجها، ومؤسسة الشهيد وتصرف الرواتب الشهرية وكل تكاليف المعيشة لأسر قتلى حزب الله وعددهم يصل إلى حوالي عشرة آلاف أسرة، ومؤسسة الجرحى، والتعبئة الرياضية، ووحدة النقابات والعمال وغيرها من المؤسسات. وذكر الحسيني أن حزب الله يتسلط على القاعدة الشيعية بوسائل عدة أهمها استخدام التهديد الديني إذا أصدر تكليفا شرعيا ما، بمناسبة الانتخابات مثلا، فيجبر الناخبين من بيئته على الاقتراع للائحة التي يختارها، ويروج دعاة حزب الله لفكرة أن مخالفة التكليف الشرعي حرام. أما سلاح التهديد الأمني فيستخدم ضد من يخالف الرأس فيتهم بالعمالة والخيانة، ويجري اعتقال المئات سنويا تحت هذه الذريعة الزائفة، وغالبا ما يتم إطلاق سراح المعتقل بعد توقيعه تعهدا بعدم العمل ضد حزب الله. وكذلك سلاح التهديد الاجتماعي من خدمات وتوظيف، فيقطع التمويل عن كل من يخالف تعليمات الحزب، في الانتخابات وغيرها، حى لو كان المخالف من المقربين، ومن أسر الشهداء أو الجرحى، كما يتم تسهيل الخدمات والحصول على وظائف وتقديم المكافآت لمن يقدم جهدا في ضم المناصرين إلى بيئة الحزب. وأكد السيد محمد إن المعارضين الوطنيين من الشيعة يفتقدون لأي دعم بمستوى دعم إيران، لذلك تجدهم كالأصوات المعزولة في البرية، وأي تقارب مع الناس الذين اعتادوا على الخدمات ويعتاشون منها، محكوم عليهم بالفشل إذا لم تتوفر الإمكانيات المالية. لقد نجحت إيران عبر حزب الله، وعبر مؤسساتها التي تعمل في لبنان، في تأسيس منظومة اجتماعية كاملة ناشطة وفاعلة لدى الجمهور الشيعي (وأحيانا غير الشيعي)، الهدف منها السيطرة على قاعدة شعبية متنوعة وشمولية مرتبطة بقراره السياسي - الديني تستغل وتستخدم عند الحاجة وأهمها الانتخابات النيابية أو البلدية أو النقابية أو الطلابية، لإنجاح الحزب في هذه المعارك لأنه يضمن تجيير أصوات هذه المنظومة الاجتماعية. لقد بدأت إيران بعد ثورة الخميني مباشرة نشاطها في لبنان بتأسيس حزب عقائدي مسلح، ولكنها عبر السنوات وبإنفاقها مليارات الدولارات حولته إلى منظومة متكاملة من المؤسسات الشبيهة بمؤسسات الدولة، حيث يمكن وصفها بأنها دويلة ضمن الدولة، وأن هذا النموذج نجح وحقق لها الهيمنة على الطائفة الشيعية. فيما أوضح عادل محمود - كاتب ومحلل سياسي - أن حصاد حزب الله وانتزاعه للمقاعد النيابية بعدد أكبر على حساب فرقائه داخل المكون الشيعي في لبنان جاء نتيجة توسع نفوذ الحزب السياسي داخل البيت الشيعي ولعدة عوامل استراتيجية انتقالية مبرمجة خدمت مراحله المتعددة من بدء نشأته وصولا إلى ما هو عليه الآن حيث تجاوز حاضنته الشعبية - الشيعية بل بات يتحكم بمفاصل الدولة اللبنانية وهو الأخطر. واعتبر محمود أن من أهم تلك العوامل المساعدة، تعدد المرجعيات لشيعة لبنان مما فتح له ممرا دينيا عبر الولاء لولاية الفقيه في إيران. ثم الدعم الخارجي المتعدد من قبل إيران وحلفائها إن كان على صعيد المال والسلاح أو استثماره الخطاب الديني بامتياز عبر فرض سياسة مرجعيته الدينية في قم داخل البيت الشيعي مما أتاح له توسيع قاعدته الشعبية وازدياد أعداد أنصاره وإرباك مسارات نمو خصومه التقليديين "حركة أمل" أو ولادة مكونات شيعية سياسية تنافسه على قيادة شيعة لبنان. والبعد الثاني بعد فرض عقيدته الدينية على الحالة السياسية لشيعة لبنان، أرى أن النزوح الشيعي نتيجة الحروب الأهلية أو الحروب الإسرائيلية السابقة ساعد على احتضان حزب الله المهجرين من الشيعة غير المسيسين من الجنوب اللبناني إلى معقله في الضاحية الجنوبية أعطى زخما شعبويا في رفد عملية الاندماج للحزب من خلال مساعدة المهجرين. والبعد الثالث وهو الأهم عدم وجود خارطة طريق أو سياسات صائبة لخصوم حزب الله من خارج البيت الشيعي إن كان على الصعيد المحلي أو الإقليمي في إيجاد عملية فصل شيعة لبنان عن الولاء لولاية الفقيه وضمهم للبيت العربي، هذا الضعف ساعد على تفرد حزب الله شبه المطلق في التفرد في المشهد الشيعي دون منازع حقيقي، في اعتقادي بات الخطر الحقيقي ليس تفرد حزب الله في انتزاع مقاعده النيابية بحصة الأسد داخل البيت الشيعي بل تحكمه بمفاصل الدولة في كافة الأصعدة مما يمهد لكيان ديني - سياسي مستقل داخل لبنان تبرز هويته النهائية في أي ترتيب للمحاصصة المناطقية للخطة الدولية مستقبلا والتي برزت ملامح ترتيبها حاليا في المنطقة. Your browser does not support the video tag.