شَاعِرٌ أموي من شُعراء فجر الإسلام من بيتٍ يَقْرُض الشِّعر ، فهو ثالث ثلاثة كُلهم شَاعِر، وأمه شاعرة أَيضا ، من بني عُذرة بن سعد والذي يُلقب ب (هُذيم)، وسَعْد هذا أَخٌ لنَهْد وجُهَيْنَة أَبناء زَيْد، من جَذْمِ قُضَاعة، وهي التي عناها بقوله : وإني من قُضَاعة من يَكِدْهَا ... أكِدْهُ وهي مني في أَمَانِ والهُدْبة في معاجم اللغة كالعين، والاشتقاق، والتهذيب، من هُدْب الثَّوْب، وخيوطه في أَطْرَافه الواحدة: وقال ابن دُريد، وتبعه الصَّغاني بقوله : « وقد سمَّت العَرَب هُدْبَةَ ، وهَدَّابًا «. و(هُدَيْب) مُصغراً من الأسماء السائرة اليوم في قبائل العرب المعاصرة .لم يذكُر لنا ابن حبيب كُنيته في كتابه الفريد (كُنى الشُّعراء) بَيْدَ أنه أشار إليه في أسماء المغتالين، وانفرد المرزُباني في (معجم الشُّعراء) بذكر كُنيته وهي (أبا سليمان) . قال عنه الأصفهاني ، شَاعِر فصيح مُتقدم من بادية الحجاز ، وقال عنه الجاحظ ، من شياطين عُذرة ، وقال المرزُباني شَاعِر مُفْلِق ٌكثير الأمثال والحِكَم ، ولم يُجانف عالمنا الصواب فقد ضُرب بشعره الأمثال كما عند الزمخشري .. فإِنَّ غَداً لِناظره قَريبُ وهو مثل لازال يرنو على مسامعنا حتى اليوم ، وفي الحِكَم قوله : وأحبب إِذا أَحْبَبْت حبا مُقاربا ... فانك لَا تدرى مَتى أَنْت نَازع وَأبْغض إِذا أبغضت بغضا مُقاربا ... فانك لَا تدرى مَتى أَنْت رَاجع وجَدَ في شعره اللغويون وجبة دسمة لإتقان دراساتهم ومُلَخّص لقواعدهم كما عند سِيبويه، والأنباري، وابن السِّكيت، والمبرِّد . استشهد الجغرافيون كالبكري، والحموي بالكثير من المواضع الجُغرافية ، والتي جاءت في شعره بِيشَة أنموذجاً فهو القائل يصف صاحبته أُميمه وطُلُول دارها في بِيشَة : ويومَ عَرَفتُ الدَّارَ منها بِبَيشَةٍ... فَخِلتُ طُلولَ الدَّارِ في الأَرضِ مِذْنَبا فلا غرابة في ذلك الوصف إذا عرفنا أنه من قبيلة عُذرة، وإليهم يُنسب الحُبُّ العُذْرِيُّ العفيف . قال أكثر شعره وهو في الحبس بعدما قتل ابن عمه زيادة ، وقصته من أعجب القصص الحزينة تقرأها كاملة ًعند ابن قُتيبه في كتابه ( الشِّعر والشُّعراء )، ولمكانته بين أهالي المدينة، فقد دفعوا الغالي والنفيس في سبيل إطلاق قيده ، فقد عرضوا على أهل القتيل عشر ديات فأبوا إلّا القَوْد ، وكان ممن عرض عليهم الديات جِلَّة من أشراف قُريش منهم : الحُسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عُمر بن الخطّاب، وعمرو بن عثمان بن عفّان، وسعيد بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، إلا أن أَمرَ الله كان حَتْماً مَقضيّا . وبذلك اشتهرت زوجته القُضاعية بوفائها منقطع النظير وسَجَّل ابن حبيب اسمها من الوافيات. كان أول شَاعِر يُجَسِّد دياجُر السِّجن ، وصَّلْصلة الحديد ... ومن أجمل ما قاله قصيدته البائية التي مطلعها: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريبُ تناوشته كُتب المتقدمين بإطناب فقال: عنه ابن دُريد وتبعه الأصفهاني « أنه أوّل من أُقِيْدَ في الإسلام « ، وقال البغدادي « أول من سَنّ رَكعتين عِنْد القتل بعد عهد النبي، وقال شيخ الإسلام ، الدَّار قُطني ، أنه أرسل إلى أُم سَلَمَه زوج النبي ( أن استغفري لي، فقالت: إن قُتل استغفرت له . وأطلعنا البكري فيما نقل عن ابن المسيب أنه أول مَصْبُور بالمدينة بعد عهد رسول الله. وأضاف المبرِّد أنه من الجُفاة عند الموت ، وذكره ابن أبي الدنيا في كتابه المُحتضرين ، وأبو العرب في المحن في باب من تمثَّل بِشعرٍ عند المَوت . له مواقف طريفة تدل على جَلَده وصبره كما عند المديني في باب الصبر، والبيهقي في باب محاسن الشدة. وأورد له أصحاب الحماسيات كالتبريزي ، والفارسي ، وابن الشجري ، والمرزوقي ، والبصري . ومن غرض الحماسة قوله : وَلست بباغي الشَّرّ وَالشَّر تاركي .. وَلَكِن مَتى أحمل على الشَّرّ أركب توفي بِحَرَّة المدينة قِصاصاً بدم ابن عمه زيادة. ولم تَنُص المصادر القديمة على سنة مقتله بالتحديد كحال كثير من الشُّعراء ، واجتهد الزَّرِكلي وسجل وفاته سنة ( 50 ه ) وخالفه الجبُوري محقق الديوان وحددها بسنة (57 ه) واستشهد بشواهد مُقنعة وأضاف بعض المحققين بأنه مات شاباً . Your browser does not support the video tag.