كتاب الصحف الورقية، قبل أن يكتبوا ويمزقوا، ويعيدوا الفكرة أو استبدالها وعدد السطور والكلمات، وقيمة المعنى والطرح، صار التفكير بعدد القراء ومن لديهم قابلية تصفح الأوراق وطيها، وهذه هي البقية فقط من المخضرمين من غلبتهم العادة على التواصل مع منتج الحداثة الجديد، هم الزبائن لآخر الإصدارات التي قد لا تدوم طويلاً، وكعادة أي مجتمع يتمسك بحدوده الزمنية ويؤطرها ولم يحتكم إلى تحولات العصور عندما هجرت الأجيال الجديدة ثوابت آبائها وأجدادها، فبدلوا الحصان بالسيارة، وأضواء الشموع بالكهرباء، ودخول ألفاظ ومستحدثات لغوية على القواميس، واستحداث مصطلحات وبحوث جعلت القطيعة حتمية بين عصر وآخر.. كل كاتب يريد اتساع متابعيه، لكن مع ركض الزمن أصبح لكل موضوع عمر، فرغم طغاء الحدث السياسي بسبب متلازمة الأمراض المتصاعدة، ولفقدان المشروع الوطني والقومي الواضح، حل بديلاً عنهما الاتهامات المتبادلة، والفساد والثورات ونزعة الإقصاء بسبب الطائفية، والقومية والقبلية، فصار الكاتب أيضاً محبطاً يرى دائرة محيطه مثقلة بنزعة الموت على حساب السلام الاجتماعي، أو كما قال أحد المتابعين بموت عصر المقالة، لصالح «التغريدة» التي تختزل الفكرة والموضوع بعدد قليل من السطور في «تويتر» لتجد مساحة هائلة من القراء والمعلقين، وبالتالي جاءت حتمية الرحلة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، أكثر جاذبية وأقل جهداً، فقط تبقى القيمة للفكرة الجيدة، والقدرة على توصيلها بأقل الكلمات.. لست أدري من صاحب الأولوية، الهم الوطني الداخلي، مقاييس الرضا عن الحياة العامة؛ خدماتها، ومؤثراتها المادية والمعنوية، بناء الأسرة وفق متطلبات العصر وتداعياته، الدخول المادية، العقيدة، والتقاليد، الرعب من المستقبل، أم التفاؤل به، الأمن والمحيط المتفجر، وعلى مدار أكبر، المؤثر الاقتصادي والتشابك مع العالم، وكيف تدار سياسة بلدك بين محيطات متلاطمة، كهم آخر يقلقك، يطرح عليك الأسئلة التي تعطلت أجوبتها بسبب ضبابية الصورة؟! التفاؤل والتشاؤم، طبيعة بشرية، مثل تداخل الخير والشر، لكن ظروف الحياة المعاصرة، تقدم الفرص «للمغامر العاقل» إن صح التعبير، ولأنني عشت مراحل المتغيرات العربية، وكيف كان الأمل أكثر سذاجة من مواجهة الواقع، فكانت الصدمات من الهزائم العسكرية، وتبخر تلك الهزات العاطفية، ليحل بديلاً عنها التشاؤم واللا مبالاة، فإنني وسط الضباب المحيط بنا ابني تفاؤلي على عناوين مطروحة في بلدي، تتجه، وبقوة، للتنفيذ كالإصلاح الاقتصادي وتطوير التعليم، ودور المرأة بالتنمية وقمع الحركات المتطرفة، والمحافظة، ولجم الطائفية إلى آخر سلسلة العمل الجديد لتأسيس الدولة الحديثة.. مدعاة هذا العمل، قال عنها بعض الأعداء، إنها «تسويق تجاري» لمشروع مجهول، وآخرون أنها قد تأتي بنتائج عكسية، وكأي حدث يصبح متداولاً عالمياً، فإن مصادر التشكيك قد تكون موازية لحقيقة المنجز على الأرض، وهذا ما أراه قادماً وبقوة، بوادره ظهرت وبشكل يدعم مستقبلاً كبيراً لبلد يتطلع لعصر آخر. Your browser does not support the video tag.