لعنة الجغرافيا تلاحق سورية منذ أزمنة طويلة وإلى اليوم حيث تتصارع داخلها أربع دول، اثنتان منها قوى إقليمية والأخريان قوى عظمى تختلف أهدافهما على من يبني مصالحه على حساب غيره.. فروسيا لا تزال جريحة من زوال الاتحاد السوفيتي ولا يزال يطوقها حلف الأطلسي من أوروبا الشرقية والتي كانت ضمن حزامها الاستراتيجي، لتجد بسورية الموقع المثالي كبوابة على البحر الأبيض الذي يلتحم مع معظم الدول الأوروبية، وكذلك تركيا القاعدة الأساسية للحلف التي فقدت قيمتها بعد انتشار قواعد الأطلسي خارجها، ولم تعد بالأهمية القديمة، وهنا بدأت تتكشف خلافات جديدة مع أميركا التي ترغب بناء قوة من ثلاثين ألفاً على الحدود التركية العراقية؛ لتعزز دور الأكراد الذين يبقون شوكة في الحلق التركي، سواء بإيجاد نواة لدولتهم في سورية أو ممثل يصعد إلى دور الحليف معها، وقد تكون الأسباب كثيرة العمل على طرد الأتراك والإيرانيين من بناء أحزمة تؤدي إلى هيمنة على العراق وسورية ولبنان، كهدف إيراني، أو اقتطاع أجزاء منها تلحق بتركيا، مع بقاء الروس ودورهم الأساسي في امتلاك قاعدتين جوية وبحرية.. قد يكون الرئيس (أردوغان) يريد فرض صورته كإمبراطور يريد إعادة الخلافة العثمانية في غلاف إسلامي، تماماً كما هي أحلام الفرس وهذا مبعث الانزعاج الأميركي لإدراكها أن تركيا ذهبت لما هو أكبر مما رسم لها حتى أن تركيا هددت بتحالف جديد مع الروس كبديل عن الغرب وأميركا لكن الروس يديرون سياستهم من خلال تحالف مؤقت سواء مع إيران أو تركيا لأن مطامعها بسورية لا تقل عن أوكرانيا التي احتلت أجزاء كبيرة من أرضها لمجرد أن خرجت عن طاعتها في مبايعة الغرب واسترضائه في بناء قواعد على أرضها. سورية تريدها روسيا موحدة بمحاولة نزع الخلافات الداخلية، ولكنها تجهل أن المشكلة في وجود الأسد أولاً وأخيراً، ثم إنها ساهمت في تدمير سورية وتشريد أهلها كثمن لاحتلالها، وبالتالي فهي خصم قادم قد يشعل حرباً ضدها ليست بمفاهيم داعش، وإنما بشعار مكافحة الاحتلال لأن الأرضية مفتوحة على مفاجآت قادمة، لذلك بدأت أميركا تنظر للمشهد من زوايا مصالحها في المنطقة، وباعتبارها ساهمت في القضاء على داعش تريد الثمن، وهو التواجد الدائم بقواعد تقابل الروس بنفس القوة، وتعلم أن سورية التي تجاور خمس دول أربع منها عربية والخامسة إسرائيل، تجعل أميركا ضمان أمن الدولة العبرية من موقع مهم، كذلك الأمر لأهدافها البعيدة مع العراق، والتي لها تواجد واضح عسكري وأكبر سفارة لها في المنطقة؛ أي أن نفط العراق واحتياطاته الهائلة إلى جانب خسائرها المادية والإطاحة بصدام والتي قيل إنها وصلت إلى ثلاث ترليونات دولار، لا تريد أن تفرط ببلد بهذه الإمكانات وتتركه لإيران.. في كل الأحوال لعنة الجغرافيا هي التي قادت تلك الدول للتلاعب بمصير هذا البلد العربي، ربما تؤدي لتقطيعه وهو هدف تلتقي عليه أميركا وإسرائيل ومعهما تركياوإيران.. ما يجري في السر أكبر مما ندرك أو نتصور، والاحتمالات قد تشهد موقفاً آخر يؤدي إلى توافق أميركي - روسي احتلال سورية أو إعلان الوصاية عليها طالما تقارب الأهداف يؤدي لتغليب المصالح على الخلافات. Your browser does not support the video tag.