سرتني حملة ما يعرف بتبليك المشاهير التي انطلقت مؤخراً، مع أني أتحفظ على استخدام كلمة «تبليك» لوجود في اللغة العربية ما يعبر عن المعنى، ككلمة حظر أو منع. ارتحت لهذه الحملة لأنها انتفاضة ضد السخف والتفاهة وضد الطيش والسطحية والهراء وضد البلاهة ونقصان العقل وحب المظاهر، وسواء حققت هذه الحملة أهدافها أم لم تحقق فهي بداية لعهد فيه وعي وشعور بالمسؤولية وشجاعة في إبداء الرأي ورفع الصوت عالياً لإسماع الجميع، ولعل هذه اليقظة المجتمعية حتى وإن أتت متأخرة سيكون لها أثرها لكونها تأتي في ظروف جديدة مهيأة للتغيير. من المهم أن يصاحب هذه الحملة محاولات جادة لإعادة التوازن وإرساء أساليب في التفكير تنطلق من مبادئ عقلية وأخلاقية ودينية، فالممارسات الاجتماعية الخاطئة السائدة في السنوات الأخيرة أصبحت تبعث على القلق من حيث التقليد الأعمى والتبعية للآخرين وإضاعة الوقت في أمور تافهة وفي تتبع وتناقل أخبار أشخاص ليس لهم أي دور مهم ومفيد في حياة متابعيهم، فمن اهتمام بمظهر هؤلاء الأشخاص وبملابسهم ومشترياتهم وأخبارهم وعلاقاتهم ومناسباتهم، إلى زواجهم وانفصالهم، وسفرهم وتنقلاتهم، وخلافاتهم ومصالحاتهم، وصداقاتهم وعداواتهم، وحزنهم وفرحهم وغير ذلك من شؤونهم التافهة. على كل الذين انخرطوا لسنين في عادة متابعة أشخاص أخذوا شهرة بين الناس عبر وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي أن يسألوا أنفسهم عن الأوقات الثمينة التي أضاعوها من عمرهم في ملاحقتهم وتتبع تحركاتهم وأخبارهم، وعن المهارات التي اكتسبوها، والمعلومات التي استفادوا منها، وعن الصفات التي تميز بها هؤلاء المشاهير والأعمال الخارقة التي قاموا بها واستحقوا كل هذا الاهتمام، فالملاحظ أن كثيراً ممن نالوا شهرة وترددت أسماؤهم في مجتمعنا لم يكن بينهم من أثر إيجابي على غيرهم، بل ليس في حياتهم وسيرتهم ما يدهش أو يمتع. الحرص على تعقب تفاصيل حياة أشخاص لا يمتون بصلة لمتابعيهم لها علاقة بحالة الفراغ الذي يعيشه البعض، كما أنها ربما تكون تعويضاً عن ضعف التواصل بينهم وبين الآخرين في الواقع، مما جعلهم يبحثون عن بديل في الفضاء الافتراضي، وهنا يجدر أن يبحث في الدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية لمثل هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها. Your browser does not support the video tag.