يعترف كافة أبناء وادي الرافدين، أن تنظيم "داعش" الإرهابي الذي سيطر على الكثير من مدن العراق في منتصف عام 2014 لم يترك أي ثقافة يمكن أن تؤثر في المشهد الثقافي العراقي، لأن هذا التنظيم لم يعتمد أي ثقافة تذكر سوى ثقافة القتل والذبح والتهجير والعنف وبث الرعب والإرهاب، بينما الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته يرفض هكذا نوع من الثقافة، لأنه يستند على إرث حضاري وإنساني وثقافي كبير جداً يمتد إلى حوالي أكثر من سبعة آلاف عام صنع من خلالها للبشرية عموماً الكثير من الإنجازات الكبيرة. وأكد مثقفون عراقيون في تصريحات خاصة ل "الرياض" أن المشهد الثقافي في العراق بعد زوال تنظيم "داعش" عن العراق وغلق نافذته المظلمة سيشهد تطوراً كبيراً، لأن هذا المشهد أصلاً لم يتوقف عندما تواجد "داعش" في بعض المدن العراقية، بل بقي يصول ويجول من خلال فعالياته المتعددة وكثرة نشاطاته وحصوله على الجوائز في مختلف المحافل العربية والدولية، فضلاً عن ولادة مبدعين عراقيين كبار في مفاصل ثقافية وإبداعية عدة. وتوقعوا، أن " العراق سيعود بنشاطه الثقافي والحضاري والإنساني مرة أخرى كقبلة لأشقائه العرب، مثلما كان في السابق، لأن نشاطاته الثقافية والإبداعية في اتساع. وهنا التفصيل: يرى الروائي والقاص العراقي حسن حافظ السعيدي، أن " كل حرف يولد في مبسم مبدع، سواء أكان روائياً أم قاصاً أم شاعراً أم فناناً، لابد له أن يغرد لهذا الوطن المقدام والذي يدعو إلى نشر المحبة والسلام بعد اندحار (داعش).. فلابد والحالة هذه أن يكون التوجه نحو مشروع ثقافي كبير، يزرع فيها المثقف روحه في عمل مشع، أياً كان توجهه.. وإنني لألمح في الآفاق بشرى كبيرة توحي نحو هذا التوجه الكبير، بعيداً عن النرجسية والذاتية وبغض النظر عن التقنيات التي يلجأ إليها المبدع.. وإذا كانت هناك حكمة للصينيين تفيد بأنه ( دع مائة زهرة تتفتح ) بما يقدمه الفنان في لوحاته من الوان، أو بما يخطه الكاتب أو السارد من يراع، فعليه أن يسهم ولو في وضع طابوقة واحدة في هذا البناء الثقافي الشامخ الذي ينتظر العراق في قابل الأيام.. بانفتاح كبير نحو الحياة والحب والسلام". وعن التأثير الذي تركه تنظيم "داعش" على الثقافة العراقية أكد السعيدي، أن من ميزة الثقافة العراقية هي كونها ديناميكية متحررة وفاعلة، لأنها منفتحة على كل الاتجاهات. وبشأن رأيه حول مدى قدرة الثقافة العراقية على العودة ثانيةً كقبلة للعرب، شدد السعيدي على، أنه إذا كان سوق عكاظ في التاريخ العربي القديم كان يمثل ذلك الانفتاح الشعري بين القبائل في الجزيرة العربية وقتذاك، فإنني أرى شارع الثقافة العراقية وهو شارع ( المتنبي ) ومعه المركز الثقافي المجاور له، إضافة إلى حدائق القشلة والتي في داخلها نجد ذلك المتحف العراقي المتجول، وما يقوم به المبدعون في كل يوم جمعة، وعلى شتى ألوانهم وانتماءاتهم،حيث تصدح الحناجر بإلقاء القصائد الشعرية أو بالغناء أو بالعرض الفني والمسرحي، وكذا النحت، فإنه يأتي تأكيداً لهذه النظرة إذ تصب تلك الروافد كلها في نهر واحد يطلق عليه ( الإبداع العراقي ). بينما قال الناقد الدكتور سعد مطر عبود: إن " المشهد الثقافي العراقي بعد زوال تنظيم (داعش) يختلف كثيراً عمّا سبق (داعش) من حيث الوعي والسلوك الثقافي فبقدر ما كان هناك تذبذب في بعض المواقف وتناقض في الوعي تجاه الأحداث بدا واضحاً حالة التغيير التي تبلورت بشكل مباشر أو غير مباشر، لما تحقق على أرض الواقع من انتصارات وتفاعل الوسط الثقافي مع معطيات هذا النصر بالكتابة سرداً أو نثراً تشكيلاً أو مسرحاً موسيقى وإنشاداً". وأضاف أن " تنظيم (داعش) قام بتدمير العديد من المراكز الثقافية والمتاحف الأثرية والعديد من الأماكن المقدسة ودمر التراث الثقافي في الموصل وفي أماكن عديدة وخصوصاً في المحافظات الغربية والأنكى من ذلك دمر الإنسان وخرق كل الحدود الأخلاقية ومارس الرذيلة بكل أشكالها الاغتصاب والقهر والذبح على الهوية ودمر كل ما يمت بصلة للحضارة عند دخوله، ولكن الانتصار أعاد للمجتمع لحمته الوطنية وأعاد للإنسان ثقته بنفسه ومجتمعه. واستعاد المشهد الثقافي صورته الحضارية ومضى قطار الإبداع يخترق الصمت والسكون؛ ليمنح الوعي الثقافي جرعة الحياة للمضي قدماً في صناعة المعنى وإسدال الستار على كابوس (داعش)". وتابع: "إن المثقف العراقي يمتلك طاقة إبداعية تؤهله لصناعة زمن إبداعي جديد والعروبة تسري في عروقه، لأنها تشكل له عمقاً حضارياً ووجوداً ماهوياً وكما يقال في الأمثال العربية: (لكل جواد كبوة) وها هو ينهض من جديد ليعيد تشكيل عناصر النهضة الثقافية في العراق ولينطلق بعدها إلى العالم العربي ثم العالم وما الجوائز التي حصل عليها المبدعون العراقيون "البوكر" وغيرها إلا علامة واضحة من علامات النهوض (العراق قادم). والثقافة العراقية تستعيد عافيتها، لأن شرط الإبداع توفر هو الحرية وشرط النهوض أيضا الثقة بالنفس وقوة الإرادة وشرط الصيرورة هو الوعي الحضاري، العراق انتصر والثقافة العراقية نهضت وقبر (داعش) إلى الأبد". الشاعر والإعلامي العراقي عبد الكريم سلمان اللامي أبدى تفاؤله الكبير بنهاية تنظيم "داعش" في العراق وقال: إن " مرحلة تنظيم "داعش" الإرهابي كانت مرحلة عصيبة جداً على عموم العراقيين، لأنها تسببت بخسارة الآلاف من الشعب العراقي، فضلاً عن الكثير من الأموال وبروز ظواهر الانقسام المجتمعي والنزوح والتهجير والذبح، إلا أن هذه المرحلة لم تؤثر في الثقافة العراقية والحمد لله أن صفحتها طويت تماماً وستعود الثقافة العراقية التي تصنع الجمال والمحبة والأمل والإبداع إلى سابق عهدها وخير دليل على ذلك كثرة النتاج الإبداعي العراقي الذي أدان أفعال وأفكار وخطط (داعش) ووثقها إلى الأجيال المقبلة من خلال اللوحات والروايات والقصص والقصائد والأفلام السينمائية وغيرها. وأضاف أن "تنظيم (داعش) رغم قسوته وطغيانه إلا أنه لن يرسخ في الثقافة العراقية، لأنه أصلاً بلا ثقافة، كما كان الاحتلال الأميركي بلا ثقافة أيضاً ومن هذا المنطلق فإن الثقافة التاريخية لأبناء الشعب العراقي هي التي ستسود بعد زوال التنظيم الإرهابي وتصرفاته الرعناء البعيدة كل البعد عن الإنسانية، فالثقافة العراقية ثقافة عريقة تمتد لآلاف السنين، لذلك لا يمكن أن تؤثر فيها أكثر من ثلاث سنوات عجاف تمثل العمر الزمني ل (داعش) في العراق". الروائي العراقي هيثم الشويلي قال: "علينا أن نقتنع فعلاً أن (داعش) انتهى من الوجود لنؤسس لمرحلة ما بعد (داعش)، لأن هذه الفئة بالتحديد تحمل أفكاراً تحاول اسقاطها على الدين الإسلامي لتقتص من المحبة والتسامح والأخلاق ضاربةً بعرض الجدار قول النبي الأكرم: (إنما جئتُ لأتمم مكارم الأخلاق) فما جاءت به هذه الفئة من الاقتصاص من الآخرين وحز الرقاب بالسكاكين لا يمكن أن تنتمي لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وهذا يجرنا إلى أن نقتنع أن (داعش) هو فكر أربك المشهد العربي بأفكاره الهدامة التي لا تقبل النصح والإرشاد بل القتل والخراب ونسف كل الحضارات، وهذا ما رأيناه واضحاً وجلياً في رواية الكاتب السعودي عبدالله ثابت التي حملت عنوان (الإرهابي 20) التي رسم من خلالها كل ما تحمله هذه الفئة من سوء ينتقص من جمال البلدان، لكن المشهد الثقافي العراقي سيكتشف فيما بعد أن هناك واحة خضراء يستقي منها إبداعه المستقبلي". وأضاف الشويلي أن " تنظيم (داعش) حرك مسرح الحدث وأضاف واستفز بكل أفكاره التدميرية أقلام الكتاب فانبرى الكثير من الأدباء لتدوين تلك القصص عبر رواياتهم التي يخلدون بها مدة سوداوية من تاريخ البلد، فمنهم من كتب عن معاناة الإيزيديين، ومنهم من كتب عن خراب المدن التي تمركز بها هؤلاء القوم، وقد دونت جزءاً من هذا الوجع في روايتي "الباب الخلفي للجنة" التي تحدثتُ فيها عن جزءٍ من سقوط مدينة الموصل وخرابها على أيديهم". وتابع: إن "العراق قبل (داعش) وفي تواجد (داعش) وما بعد (داعش) هو قبلة العرب وقلبهم النابض بالحب والإبداع والدهشة، وما سيكتبه الأدباء سيكون شاهداً على أسوأ مرحلة من تاريخٍ مر به العراق على مر العصور، فهو شيء أشبه بسقوط بغداد على يد المغول، أو شيء من خراب حل بالعراق، لكن العراق باقٍ ما دام يمتلك الكثير من المبدعين الذين سيخلدون للتاريخ كل هذه الأحداث، سيعود العراق وبقوة". براء البياتي: الثقافة العراقية مزدهرة وما زالت مؤثرة عربياً الكاتبة العراقية براء البياتي ذكرت، أن " الثقافة العراقية باتت مزدهرة جداً سواء بوجود تنظيم (داعش) في العراق أو بعد زواله وللأبد، فطباعة المنجزات الإبداعية مستمرة وقد تناولت بعض المطبوعات الحديثة جرائم التنظيم المذكور، فضلاً عن تناولها ما سمّي (أدب النزوح) من خلال بعض الأعمال الروائية أو الشعرية، لذلك أؤكد أن الثقافة العراقية بخير وتتطور يوماً بعد آخر". وأضافت البياتي، أن " تنظيم (داعش) أصلاً لا يمتلك أي ثقافة إنسانية، إنما اعتمد على ثقافة الاستباحة والقتل والذبح والتهجير والظلم والاضطهاد وهكذا ثقافة لم ولن تجد لها أي سوق بين أبناء الشعب العراقي، لأن هذا الشعب قد تعوّد على الأدب والفن والجمال، وعليه أن مرحلة (داعش) ورغم مراراتها، إلا أنها لن تؤثر في الثقافة الجمعية للشعب العراقي والدليل على ذلك عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق التي كان (داعش) قد سيطر عليها لمدة طويلة خلال احتلاله لتلك المدن". وتابعت، أن " الثقافة العراقية لم تزل مؤثرة عربياً والدليل كثرة الجوائز التي حصل عليها المبدعون العراقيون في مختلف المجالات الإبداعية، كما إنها تمتلك طاقات شابة واعدة في مجالات الشعر والرواية والقصة والفن التشكيلي بمختلف مفاصله وهذه الطاقات قادرة بأن تفرض نفسها بقوة على المتلقي العربي في السنوات المقبلة وستكون خير امتداد لعمالقة الأدب العراقي في شتى المجالات الإبداعية". عبدالكريم اللامي سعد مطر عبود هيثم الشويلي براء البياتي حسن حافظ Your browser does not support the video tag.