عندما نشر عبدالرحمن منيف روايته (مدن الملح) حظي بحضور طاغ في المشهد الثقافي العربي كأول روائي سعودي يحظى بمثل هذا الزخم. ومع توالي رواياته (شرق المتوسط) و(الأشجار واغتيالات مرزوق) و(عالم بلا خرائط) و(أرض السواد) أصبح عبدالرحمن منيف مع نجيب محفوظ وإميل حبيبي والطيب صالح أعلام الرواية العربية، وتجاوز الفضاء الإقليمي إلى الفضاء الكوني. رغم تمكن عبدالرحمن منيف من السرد والوحدة العضوية في العمل الروائي إلا أننا لا نستطيع إغفال جانب رئيسي لهذا الحضور الكبير له وهو جانب ليس ذي صلة بالإبداع الروائي إنما بموقفه السياسي ويساريته وتنقله بين البعثيين (العراق وسورية) في مرحلة كان اليسار العربي بمختلف أطيافه مهيمنا على المشهد الثقافي والفكري والسياسي في عالمنا العربي في حقب الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. لقد انحاز عبدالرحمن بشكل كبير لفكرة تقسيم العالم العربي إلى دول تقدمية ودول رجعية، وهو يجسد نموذج المثقف الخليجي الذي كان يستجدي اعتراف عواصم المراكز القديمة للإنتاج الثقافي والفكري (القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق) ليحصل منها على شهادة ميلاد لإبداعه، وهي ذات العلة التي أصابت المفكر عبدالله القصيمي. لقد طويت تلك الحقب في ظل الزخم الإعلامي الفضائي، وتبدلت مراكز الإنتاج الثقافي والفكري لتبرز الرياض والرباط والجزائر وتونس، وما علينا سوى متابعة المشهد الثقافي والفكري في السعودية ودول المغرب العربي بما تنتجه في الرواية والنقد الأدبي والفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي لنتأكد أن حقب القرن الماضي أصبحت في ذاكرة التاريخ، ولم تعد في الحاضر المعاش والمستقبل المنظور. فوز الروائي السعودي عبده خال عن روايته (ترمي بشرر) بجائزة بوكر العربية، ووجود الروائية السعودية رجاء عالم بروايتها (الستر) ضمن قائمة المرشحين للجائزة، تؤكد أن المثقف الخليجي قد تخلص بوعي وإدراك من العلة التي أصابت عبدالرحمن منيف وعبدالله القصيمي، وأن قامته الإبداعية لا تقل عن قامات المبدعين في المراكز القديمة، وأن الدول التي كانت توصم بالرجعية أكثر حراكا ثقافيا وفكريا وإنتاجا للمعرفة واستشرافا للمستقبل، من الدول التي سجنت نفسها بمفهوم الدول التقدمية الثورية فأخرجت نفسها من المركز إلى الأطراف.