يبدأ الموسم الأدبي في أوطان القراءة بعناوين تتجاوز الخمسمائة عنوان أحيانا، تملأ المكتبات، والصحف بسجال ساخن، حتى قيل إن بعض الكُتّاب يصابون بالحمى خوفا مما ستقوله الصحافة عن إصداراتهم الجديدة. في الضفة الأخرى من العالم تنهمر أمطار الشتاء حاملة معها خيرات القراءة أيضا، يقتني الناس الكتب بهوس لا نفهمه، يقرؤون كٌتّابهم، وما تقترحه دور نشرهم من كُتّاب مُترجمين. ينطلق الدخول الأدبي في فرنسا في العشرين من شهر أوت ( أغسطس – آب) في سباق حماسي من أجل الجوائز التي ترفع من نسبة المبيعات ببضعة مئات آلاف كتاب كل سنة، وهذا هو الهدف الحقيقي منها. بلوغ القارئ يتطلب جهدا كبيرا لإغرائه بالقراءة، ليس فقط بقيمة هذه الجوائز بل بإدخال الكتاب كموضوع رئيسي في الحديث اليومي. إذ يبدو أن منهجية تسويق الكتاب بهذه الطريقة في المكتبات الباريسية والأجنبية بشكل عام رغم فعاليتها إلا أنها لا تعجب النقاد، الذين يرون أن الجائزة تضع كتب معدودة تحت الضوء والبقية الساحقة في الظلال. بعض هذه الكتب الفائزة تعبر المحيطات وتحلّق في أجواء العالمية بعد ترجمتها للغات أخرى، وهذا يحدث عندنا أيضا وإن بحجم أقل. الجوائز عندنا أيضا ترفع نسبة المبيعات بشكل طفيف، وقد قيل إن أغلب الأرقام التي تنشر في الإعلام على أنّها حقيقية، إنّما هي بعيدة عن جنس الحقيقة، فحين يطلب الكاتب كشفا لمبيعات كتبه من ناشره مع مستحقاته المادية، يصاب بصدمة حياته، فالأرقام متدنية و مستحقاته على مدى سنة مجرّد أرقام مضحكة. أمّا عن الترجمة، فيبدو أنها ليست جسر عبور للقارئ الغربي، بل هي "بريستيج" عربي قح، حٌلَّة ندخل بها مكتباتنا مثل السياح العرب العائدين بالأزياء" السينية" التي اقتنوها خلال رحلات استجمامهم في العواصم الغربية، وهي طريقة ذكية لإبهار قارئ يعرف كاتبه سلفا أنه "نصف جاهل"، وهنا يكمن أسى هذه العلاقة غير المتوازنة بين الكاتب وقارئه. وعلى سبيل المثال نذكر أن الكتب المترجمة من اللغة العربية للغات الأجنبية لا تجذب القارئ الغربي كما نعتقد، بل تثير فضول النخبة لمعرفة ما نكتب، وحمى الترجمة التي يصاب بها الكُتّاب هنا للقفز خلف السُور إلى وهم العالمية لا يحقق لهم المقروئية المطلوبة هناك، بل "البريستيج" الذي تحدثنا عنه آنفا. بالمختصر بناء علاقة صحيحة وحقيقية ومتينة بين الكاتب والقارئ العربيين يحتاج لكثير من الصدق والتفهم بين الطرفين، وإن كان التسويق والجانب التجاري واجب الناشر، فإن واجب الكاتب تجاه قارئه هو "الصدق" قبل كل شيء، وأي غش يعتمده بعض الكتاب إنما هو كارثة عظمى تضرب الصالح والطالح منا. فعسى أن تخف وطأة الكذب في علاقاتنا وكل عام وأنتم بخير. Your browser does not support the video tag.