رغم هيمنة ترجمة الروايات مؤخراً على الثقافة المحلية ورغم الاحترافية العالية والبراعة الأدبية التي يتمتع بها مترجمو الروايات الا ان الترجمة لم تعد مجدية مادياً لأصحابها الذين اعتبروا بأن تراجع القراءة من الكتاب الورقي كانت أحد اهم الأسباب إلا أن الأسباب الذهنية والدافعية النفسية والتي لاعلاقة لها بربح أو خسارة او شهرة اسهمت في تزايد أعداد الترجمة وحفظت للمترجمين أهميَّة التحلِّي بهذه الروح المتجرِّدة من الأغراض المادِّيَّة في ترجمة الآداب بصورة خاصَّة. وبرز على الساحة الكثير من المترجمين والروايات المترجمة. الرياض سلطت الضوء على مترجمي الروايات في السعودية وعلى هذه الثورة التي تشهدها الثقافة المحلية .. (اوهام العالمية) قال استاذ النقد الحديث بجامعة الملك سعود ومترجم عدد من الروايات أ.د/ عبدالله الفيفي: أشكُّ في أن تكون الرواية مجدية ماديًا لسببين: تراجع الكتاب الورقي، بصفة عامَّة، لحساب الكتاب الرقمي والسبب الآخر، أن الهوس بترجمة العمل الأدبي من قِبل مؤلِّفه نفسه هو أقرب إلى الطفوليَّة الأدبيَّة منه إلى النضج. لأن العمل المميَّز هو الذي يَفرض بقيمته النقل إلى لُغات أخرى، وليست الدوافع النرجسيَّة أو التجاريَّة أو أوهام العالميَّة الساذجة. وأضاف ان الفرق بين ترجمة عمل أدبي وترجمة كتب المجالات الأخرى فرق كبير؛ فالأدب نتاج لغة قوميَّة، وشخصيَّة ثقافية، وروح إنسانيَّة فرديَّة. وعندئذٍ تغدو الترجمة نقلًا تفسيريًا للعمل الأصل، لا نقلًا للعمل بوصفه نصًا أدبيًا. ولذا يتأبَّى الأدب عن الترجمة، ولاسيما الشِّعر. وحول إمكانية اعتبار المترجم كاتب آخر للكتاب الذي يترجمه قال: يرى (طه عبدالرحمن) أنَّ للترجمة ثلاثة مسالك، هي: ما يسمِّيه: الترجمة التحصيليَّة، التوصيليَّة، والتأصيلية، وأضيف أنا ضربًا رابعًا، هو: (الترجمة التفصيليَّة). وتعني الترجمة التحصيليَّة: تلك الترجمة التي تُسمَّى بالترجمة الحرفيَّة، المعنيَّة بوضع المقابل اللغوي لكلمات النصِّ الأصل. والترجمة التوصيليَّة: تلك الترجمة المعنيَّة بأمانة توصيل المعنى الأصلي للنص. والترجمة التأصيليَّة: ترجمةٌ اجتهاديَّةٌ تأويليَّة. وتتوخَّى إبداع نصٍّ موازٍ للنصِّ الأصل، لا تنحبس في وضع المقابِلات الحرفيَّة، ولا المقابِلات المعنويَّة، وإنَّما تقدِّم قراءةً تفاعليَّةً مع النصِّ المترجَم. لكن هل ذلك كافٍ؟ إذا كان الضربان الأوَّلان يسعيان إلى نقلٍ آليٍّ لمبنَى النصِّ المترجَم أو معناه، بمهنيَّة أكاديميَّة أمينة، فإن الضرب الثالث «التأصيلي» يخون الأمانة، ليُنتِج نصَّه الموازي. وهو لا يصلُح في كلِّ الأحوال سبيلًا للترجمة، وإنْ صلُح في ترجمة النصوص الأدبيَّة، وما شابهها. أمَّا الترجمة التفصيليَّة، التي أقترحُها- والتي طبقتها في ترجمتي لرحلة (فِلْبِي) إلى جبال (فَيْفاء) و(بني مالك)، في كتاب صدر لي مؤخَّرًا- فإنَّها تحاول الجمع بين أمانة الترجمة والتصرُّف فيها، مع إعطاء القارئ معارف إضافيَّة، لا غنَى له عنها لاستيعاب خلفيَّاتٍ كثيرةٍ متعلِّقةٍ بالنصِّ المترجَم. بحيث يستطيع قياس المسافة بين الأصل المترجَم وموقف المترجِم منه، فيدرِك على وجه التقريب ما جاء في الأصل المترجَم، وما تكتنفه من ملابسات وظِلال لغويَّة أو معرفيَّة أو ثقافيَّة، لتتكامل الصورة لدَى المتلقِّي. وهو ما تسترفد فيه الترجمةُ، ولا بُدَّ، حواشي الشرح والتحقيق لقضايا لغويَّة ومعلوماتيَّة تُضيء النصَّ وتُجلِّي آفاقه. ولعلَّ أكثر النصوص استدعاءً لمنهاج الترجمةِ هذا، ذلك النوع من النصوص المستعاد عَبر الترجمة. وأعني ب«النصِّ المستعاد»: النصَّ الذي كُتب عن ثقافة المترجِم بلغةٍ أخرى، ثمَّ جاء ليستعيده مترجَمًا إلى ثقافته، كما هو الحال في تجربتي المتعلِّقة بترجمة بعض ما كتبه (فِلْبِي) عن رحلاته في (جزيرة العرب). ومن هنا فإن الترجمة عمل عِلْمي وإبداعي في آن، يجعل المترجِم منشئًا آخَر للنص الذي يترجمه. مسؤوليتنا ومسؤولية الآخر وذكر الفيفي بأن الأهم من ترجمة أعمالنا إلى الآخرين، الانشغال بترجمة أعمال الآخرين، ذات الأهميَّة النوعية، إلينا. والدول المتقدِّمة تخصِّص ميزانيات كاملة لهذا الغرض. أمَّا ترجمة أعمالنا إلى الآخر، فإذا كانت تستحقُّ الترجمة بالفعل، فتلك مسؤوليَّة الآخر إذا شاء. وحديثي هنا عن الترجمة العلميَّة البانية للحضارة الإنسانيَّة، لا عن ضروب أخرى من الترجمات: تجاريَّة، أو إعلاميَّة، أو موجَّهة بدوافع سياسيَّة أو إديولوجيَّة مختلفة. مشيرًا الى أن لدينا عددًا كبيرًا من المؤهَّلين للترجمة. فأقسام اللغات الأجنبية في الجامعات تُخرِّج الكثير من الطلبة سنويًا. لكن الأمر يستدعي التأسيس للاستفادة من هؤلاء، وإكسابهم المقدرة على إثراء الثقافة. فلا يكفي أن يتقن المرء لغة أجنبيَّة ليكون مترجمًا جيِّدًا، بل الترجمة مهارة لغويَّة عُليا، فطرية ومكتسبة، تتبلور بالموهبة والعِلْم والخبرة. وقال: ان اختبار المترجم للعمل الذي سيترجمه يتأسس على أمرين: القيمة المعرفيَّة للمادَّة المترجَمة، والباعث الذاتي. الأمر الأوَّل لا خلاف فيه؛ فأيُّ ترجمة لا تضيف إلى المعرفة جديدًا، لا قيمة لها. أمَّا الباعث الذاتي، فلا تنجح ترجمة ما لم تنبثق عن حبٍّ للنص المترجَم، أو انشغالٍ به. من حيث إن الترجمة، حتى في العلوم البحتة، إنجازٌ إبداعيٌّ لغويٌّ، يتطلَّب تماهيًا مع المادة المترجَمة، في مبناها ومعناها. وما لم يتوافر المترجِم على ذلك، استحال عمله إلى نقلٍ آليٍّ جافٍّ، وأصبحنا أمام جثَّة لفظيَّة هامدة، العودة إليها في لغتها الأصلية أجدى وأنفع بكثير. مؤكداً بأن لكل عملٍ طبيعته وظروفه. لكن إذا جاء تدخل الناشر في الاختيار لأسباب تجاريَّة محضة، فنحن إزاء عملٍ تجاريٍّ محض. الأصل أن الترجمة تصدر عن اختيار مُبدِئها، لأسباب ذهنية ونفسية، لا علاقة لها-بالضرورة- حتى بشؤون النشر. أنا أفهم الترجمة بوصفها متعة معرفيَّة ونفسيَّة، تمامًا كالكتابة الأدبية، التي لا تنطلق أساسًا من حسابات أخرى، مثل النشر أو الشهرة أو الربح والخسارة. وتزداد أهميَّة التحلِّي بهذه الروح المتجرِّدة من الأغراض المادِّيَّة في ترجمة الآداب بصورة خاصَّة. دخلاء على المهنة من جهتها قالت سميرة بادغيش -مترجمة محترفة- المفروض أن الترجمة عمل مجز لكن الواقع هنا أو في البلاد العربية غير ذلك- ومن تجربتي هنا فوضع المترجم لم يحظ بعد بما يستحقه.. مع أن هناك طلباً على الترجمة وحاجة شديدة لها- وأقصد الترجمة الجيدة الأمينة المتقنة لغةً ومعنى/ لأن السائد للأسف ترجمة تجارية وهناك دخلاء على المهنة وهذا ما لمسته وعايشته من الناس الذين يأتون لمراجعة ترجمات لهم بعد اكتشافهم رداءتها! وهذا الكلام ينطبق على الترجمة من وإلى اللغتين العربية والانجليزية. وتابعت : ترجمة العمل الأدبي -في رأيي- شيء مختلف وتتطلب براعة من ناحية الأسلوب والصياغة -أي أسلوب أدبي جميل يتماشى مع القصة أو الرواية وأرى أن الذي يتصدى للترجمة الأدبية لا بد أن يتمتع بموهبة في الكتابة الأدبية إلى جانب التمكن من اللغتين فهذا شيء أساسي في الترجمة مهما كان نوعها. مؤكدة بأنه يمكن أن يصبح المترجم هكذا إذا كان يملك موهبة الترجمة والاتقان للغتين- فالترجمة موهبة من الله تحتاج للصقل, فهي ليست عملاً آلياً بضغطة والكلام هنا موجه لمن يبحث عن ترجمة سريعة..!! وقالت هناك مواهب ناشئة جيدة ومتحمسة لهذا العمل -ولكن عليهم الاهتمام باللغة أكثر وخاصة من الناحية النحوية والإملائية.. واشارت الى ان المترجم عادة يختار المجال الذي يعجبه أو يميل إليه ولديه معلومات جيدة عنه فالثقافة العامة مهمة جداً في هذا الجانب, وشددت بادغيش على ضرورة ممارسة الترجمة في مجالات مختلفة حتى لايجعل العمل رتيباً يقتل الابداع. صحوة ثقافية وقالت نوف الميموني -مترجمة روايات- أن العائد المالي أقل من المأمول إذا ما قارناه بمدة العمل والجهد الذي يبذله المترجم، وقد يكون أحد العوامل أيضًا هو قبول دور النشر لترجمات سيئة طالما أن المترجم لا يطلب الكثير. مشيرة إلى أن العمل الأدبي يُولَد من إبداع الكاتب في جميع المستويات؛ ومنها اللغة والحبكة وأسلوب السرد، ولذا فإن ترجمته تستدعي محاكاة الكاتب في جميع هذه المستويات. فإذا كانت كتابة الأدب ابتكاراً وإبداعاً، فترجمته بطبيعة الحال إبداع وابتكار. أما الأعمال غير الأدبية فهي عمومًا لا تكلّف مترجمها بمهمة محاكاة الكاتب الأصلي في كل الأصعدة. فالترجمة العلمية تُعنى بالمحتوى أكثر من الأسلوب، والنصوص الدينية تحمل شيئًا من الطرفين (المحتوى والشكل) وهكذا. ولا تعتبر الميموني ان المترجم كاتب آخر للكتاب لأن أحد معايير نجاح الترجمة هو إيقاع الأثر نفسه في نفوس قراء الترجمة كما وقع في نفوس قراء النص الأصلي. فالقول بأنّ المترجم كاتب آخر يعني إعطاءه الحق في إضافة معانٍ غير موجودة في النص الأصلي أو حذفها أو تحويرها، بما يخالف فكر الكاتب أو مقاصده. المترجم ليس كاتبًا آخر، بل وسيط وموصّل لمعاني الكاتب , ولكن من جانب آخر فإن المترجم لن ينجح إن لم يتقمص شخصية الكاتب ويحلل النص ويدرسه- وفي هذا المعنى المحدود - يُعدّ كاتبًا للنص. وقالت ان مانشهده محليًا ليس ثورة ثقافية بل هي صحوة, فأجد القرّاء الآن أذكى من أن يجروا خلف الأسماء اللامعة أو النصوص التافهة، رغم صغر سنهم , أصبحوا لا ينخدعون بشعارات "أكثر الكتب مبيعًا" و "الطبعة السابعة والسبعين" , فهم يبحثون عن القيمة وينتقدون ويحاورون ويطالبون باحترام ذائقتهم , ولربما كان سبب ازدياد أعداد المترجمين هو سعي القرّاء لفرض ما يريدون قراءته، وبالتالي توجيه دور النشر بطريقة غير مباشرة إلى ما يودون رؤيته على أرفف المكتبات. وألمحت الميموني الى ان اختيار العمل يأتي باقتراح الناشر أو اقتراح المترجم , ويحق للناشر التدخل في الاختيار لعلمه برغبات القرّاء وتوجُّهات السوق, وإن كان لكل مترجم أسلوب وفكر خاص به فإذا أعطي حرية الاختار كان أكثر اتقاناً وبراعة . أ. د. عبدالله الفيفي شعارات «الأكثر مبيعاً» لم تعد مجدية