المترجم في بداية الطريق يجدها غير ممهدة، فيحاول أن يتجاوز عقبات لا تنتهي، وعلى حسب إرادته لمواصلة المشوار، تتحدد نجاحاته أو إخفاقاته. هنا نسأل عدداً من شباب المترجمين في مصر عن بداياتهم مع الترجمة، والمشكلات التي واجهتهم، وكيف تغلبوا عليها وأوجدوا لأنفسهم موطئ قدم، ونسأل كذلك عدداً من الناشرين. يارا المصري، مترجمة عن الصينية، فازت أخيراً بجائزة جريدة «أخبار الأدب» القاهرية. بدأت الترجمة عام 2011 بعد عودتها من الصين. لم يكن همها البحث عن دار نشر، بل معالجة مشكلات عدم التمكن من اللغة الأم وإهمال القراءة الذي ينتج منه عدم الفهم أو ضحالة المعرفة، بحسب تعبيرها. تضيف مترجمة رواية «الذَّواقة»: «تحتاج الترجمة إلى ممارسة، تجعل المترجم قادراً على فهم الاشتقاقات اللفظية وكيفية استخدامها لزيادة حصيلة المفردات لديه، كما أن إجادة النحو والصرف للغة المترجم إليها واللغة المترجم عنها ضرورة، وعلى المترجم أن يكون واعياً بأن دراسة اللغة الأجنبية شيء، واحتراف الترجمة منها وإليها هو شيء آخر تماماً. ولا بد كذلك أن يكون قادراً على فهم سياقات النص، ومراعاة أبعاد اللغة، الزمن، الثقافة. الترجمة هي فعل قراءة، والمترجم بالأصل قارئ، فالدأب على القراءة وتنوع القراءات من شأنه أن يُنمي الملكة اللغوية للمترجم من ناحية، ويزيد من معرفته من ناحية أخرى. الجهد النفسى الذي يبذله المترجم لا يشعر به إلا من مارس العمل الذي يتطلب دقة وأمانة، وعلى رغم مشقة الترجمة إلا أن الأجور التي يتقاضاها المترجمون في مصر لا تزال هزيلة، فعندما نعرف من الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومى للترجمة، أن هناك ثلاث فئات للمترجمين، يحصل المترجم الذي ينتمي للفئة الأولى على 30 قرشاً (الجنيه مئة قرش) للكلمة المترجمة، والفئة الثانية 25 قرشاً، والثالثة 20 قرشاً. يقول مغيث: «هذه الفئات نراعى فيها جودة النص وندرة اللغة وكفاءة المترجم، ويمكن أن نفهم أن الفئة الأولى تخص المترجمين الذين يبدأون عملهم ويبحثون عن التحقق، وبالنسبة للفئة الثالثة فإنها تضم المترجمين المحترفين، ويمكن النظر إلى الفئة الوسطى باعتبارها منطقة بين المبتدئ والمحترف، تضم مثلاً المترجمين الذين ترجموا من قبل كتاباً أو اثنين». في الهيئة المصرية العامة للكتاب يختلف الأمر، إذ لم تعد هناك فئات كما هي الحال في المركز القومى للترجمة، ولكن يتم احتساب الكلمة بخمسة وعشرين قرشاً، سواء كان المترجم يبدأ مشواره، أو كان أستاذاً أكاديمياً. تقول دينا مندور، رئيس تحرير سلسلة الجوائز في الهيئة المصرية العامة للكتاب: «كان النظام المتبع أن يحصل المترجم على 50 جنيهاً نظير الصفحة، وكان الرقم يرتفع مع المترجمين الذين أنجزوا ترجمات كثيرة من قبل، ولكني جعلت الحساب بالكلمة وحسبتها بقيمة 25 قرشاً، وألغينا نظام الفئات الذي يظلم المترجم، لأن الأساس في النهاية هو النص المترجم، الذي لا يعرف الأسماء، وليس عدلاً أن نفرق بين مترجم شاب وآخر لمجرد أن هذا الآخر أستاذ أكاديمي صنع اسماً وبات معروفاً». هذه الأرقام تعتبر الأعلى في مصر، ويتضح الأمر أكثر عند المقارنة بما يحصل عليه المترجم عندما يتعامل مع دار نشر خاصة. يقول شريف بكر، صاحب دار «العربي» للنشر إن القيمة المالية التي يحصل عليها المترجم تخضع لعوامل منها اللغة التي يترجم إليها، فكلما كانت اللغة نادرة ولا يوجد لها مترجمون كثر كلما ارتفعت القيمة المالية لمترجميها، كما أن مترجماً لم يزل في بداية الطريق يختلف عن آخر متحقق وصنع اسماً وبات مصدر ثقة للقارئ. ويضيف: «عندما أتعامل مع مترجم شاب أتفق معه على رقم لا يقل عن 10 قروش للكلمة ولا يزيد مطلقاً على 25 قرشاً، أما إذا تعاملت مع مترجم معروف فإن الرقم قد يصل إلى 40 قرشاً، ويتوقف الأمر هنا على ندرة لغته». يتفق مصطفى الشيخ، مدير دار «آفاق» للنشر، مع بكر في ما يخص وضع فئات للتعامل مع المترجمين، ويقول: «أتفق مع المترجم عندما أتعاون معه في البدايات على نسبة من مبيعات الكتاب يحصل عليها، ولا شأن له سواء استطعت تحقيق مبيعات جيدة أم لم يبع الكتاب نسخة واحدة. هو هنا يحصل على نسبته مقدماً. في حالات أخرى يحصل المترجم على مكافأة مالية بعد انتهائه من الترجمة بصرف النظر عن عدد صفحات الكتاب الذي ترجمه». يسرا عمر الفاروق التي تترجم عن الفرنسية وحصل مخطوط كتابها «مبدأ الديموقراطية، دراسة حول الأشكال الجديدة للشأن السياسي»، على جائزة العمل الأول في الترجمة من «أخبار الأدب» عام 2016، ولكنه لم ينشر حتى الآن، على رغم تعاقدها مع المركز القومي للترجمة على نشره. وتقول الفاروق: «من المشكلات التي لم نجد لها حلولاً حتى الآن، صعوبة النشر وترك المترجم بين مطرقة روتين القطاع الحكومي وسندان توغل القطاع الخاص وعدم وجود ميثاق راقٍ يحفظ حقوق المترجمين الشباب المادية والأدبية ويُمكّنهم من الانطلاق بثقة في المجال، فضلاً عن عدم وجود جسور لتبادل الخبرات بين الأجيال المختلفة من المترجمين إلا على نطاق فردي محدود، وافتقاد وجود سياسة تسويقية فعالة للأعمال المترجمة إلا لدى دور النشر الكبرى والتي لا تفتح دوماً أبوابها أمام المترجمين الشباب». مي عاشور، مترجمة عن الصينية، تمتلك ثلاث تجارب. العمل الأول كان «كيف تجعل أبناءك يحبون الدراسة؟»، صدر عن المركز القومي للترجمة 2012، والكتاب الثاني «براعم الأمل» ويضم مختارات من الشعر الصيني المعاصر للشاعر وانغ جوه جن، صدر عن مجلة «الدوحة» 2016، أما الثالث فهو كتاب «أزهار البرقوق: قصص ونصوص من الأدب الصيني المعاصر» وصادر عن «الكتب خان» 2017. تقول مي: «جزء رئيس من مشكلة الترجمة هنا، هو عدم الاعتراف بها كمهنة قائمة بذاتها على رغم أهميتها. الترجمة عمل مرتبط أكثر بالممارسة، الموهبة، الإحساس، وقابلية تحويل ما يترجم إلى لغة عربية مفهومة ومستساغة لدى القارئ، وليست مرتبطة أبداً بأن تكون أستاذاً جامعياً مثلاً أو شخصاً يجيد لغة أجنبية». وتضيف: «مع ذلك أرى أن فصل مشكلات الترجمة عن الواقع وما يدور من حولنا من ظروف هو نوع من السذاجة». محمد رمضان، مترجم عن الألمانية، يرى أن هناك فجوة كبيرة بين الدراسة الأكاديمية لعلوم الترجمة– التي يتلقاها الطلاب في البداية– وبين الواقع العملي في مجال الترجمة؛ «أعتقد أن بعض الكليات والأقسام المعنية انتبهت أخيراً لهذا الأمر وقامت بوضع خطط تنفيذية ونظمت ورش عمل ومؤتمرات، لكن لم تظهر ثمارها بعد». ويضيف: «بمجرد انتهاء الشاب من دراسته يتلقاه بعض أصحاب مكاتب الترجمة الباحثين عن عمالة رخيصة ليغرقوه بين أكوام من ملفات تستهلك كل وقته بمقابل ضعيف للغاية، وربما من دون مقابل بحجة التدريب والاختبار، ثم يقع في هوة أعمق حفرها بعض أصحاب دور النشر التي لا تقدم خيارات للشباب، فإما أن تقبل بنصوص لا تحبها وعمل منقطع بجانب الأجر الزهيد أو ترفض فتعود إلى المحطة السابقة». هالة صدقي، مترجمة عن الصينية، تقول إن أول مشكلة تواجه المترجم في بداية مشواره هي إثبات نفسه في الوسط والعثور على من يثق به ويسانده ويعطيه الخبرة الكافية التي تساعده على تحقيق حلمه وهو أن يجد اسمه مكتوباً على عمل مترجم. وتضيف: «هنا يأتي دور الأستاذ الجامعي ودور النشر التي تساند تجارب الشباب وذلك بعد أن تجد في هؤلاء الشباب الموهبة الحقيقية وتحليهم بصفات المترجم الجاد. هناك أيضاً المشكلة المادية، فالتفرغ في مجال الترجمة لا يوازيه عائد مادي كاف، فنضطر للعمل في مجالات أخرى بجانب الترجمة التي ننجزها أحياناً من دون مقابل. يجب أن تتدخل الدولة لإنشاء نقابة للمترجمين تحمي حقوقهم المادية والفكرية. وهناك كذلك مشكلة حرية اختيار الكتاب الذي ستتم ترجمته، لأن الكثير من الترجمات التي يتم قبولها تكون في مجال الأدب لأنها تحقق رواجاً في المبيعات. هنا يضطر المترجم إلى قبول أي عمل يفرض عليه».