لم يكن نظام الملالي يدرك أن "كعب أخيل" كان في عقر دارهم الذي نسج الفصل الأخير للنهاية، ولم يعلموا يقيناً أن التاريخ لم يسند كثيراً الأنظمة الديكتاتورية التي تهاوت أمام الحق الأبلج بلا معين، وهو ما يحدث اليوم في إيران كردة فعل ظلت كامنة فترة ليست باليسيرة على أمل تحقق الحياة الكريمة في الغد. يرى مختصّون أن الصورة اليوم في إيران هي صورة تراكمية ذات أسباب اقتصادية بالمقام الأول، وهي الدافع المغذّي للثورة التي تسعى جاهدة لإسقاط نظام الظلم والاستبداد. يقول عمر رداد -محلل سياسي وخبير الأمن الإستراتيجي- الصورة في إيران تراكمية وليست وليدة اللحظة، ومن يقول: إنها حديثة عهد فلم يعرف إيران تماماً وما يجري بداخلها، فهي ذات نظام شمولي ديكتاتوري ( نظام الملالي ) يضرب بستار على الإعلام ويمنع التواصل، كما أنه يسعى لتقديم صورة أخرى غير الحقيقية للداخل الإيراني، ويركز على الخارج بحيث يتم التعمية على ما يحدث من مجاعات وفساد، ويسعى جاهداً على تقديم إيران بصورة ذات مضمون يوحي أنها دولة قوّية تنافس الدول الكبرى بالمجال النووي ومنظومة الصواريخ البالستية، فإيران من خلال إعلامها الموجّه يصورّها كدولة متفوقة، وحقيقة صورتها هو ما انعكس على الوضع الداخلي لها، فالأحداث التي انطلقت الخميس الماضي -ولا زالت- هي تراكمية لعدة أسباب منها أنه قبل عدة أشهر أثناء حدوث زلازل في "كرمنشاه" غرب إيران التي تزامنت مع ترقية قاسم سليماني حيث تسرّبت بعض المعلومات والصور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن البنى التحتية الرديئة من طرق وخدمات ومستشفيات غرب إيران، مما يوحي أنها لا زالت تعيش في القرون الوسطى، وخرجت حينها مظاهرات تندد بحالتهم المعيشية وقمع السلطات، وطرحت هذه المظاهرات شعارات تطالب بإيقاف دعم الحشد الشعبي العراقي وسورية و"حزب الله"، إلا أنه تم قمع هذه المطالبات وعاشوا على وعود قاسم سليماني الكاذبة بالالتفات للداخل الإيراني بعد الانتهاء من داعش، واليوم ما نراه هو مظاهرات عكسية لوعود نظام الملالي الكاذبة طيلة سنوات، والملفت للنظر أنها تختلف عن مظاهرات العام 2009م، حيث شملت حالياً كافة مناطق إيران، وقد تفاجأت حكومة الملالي بها ولم تستطع السيطرة عليها. وتابع بقوله: الوعي الذي يمتلكه الشعب الإيراني الآن أوصله للتساؤل عن المرجو من امتلاك الصواريخ والأسلحة وأوضاعه المعيشية والحياتية عموماً في الحضيض، يرافق ذلك ارتفاع كبير في حجم وجود وتعاطي المخدرات والفقر فهنالك حالياً 20 مليون شاب إيراني عاطل عن العمل، ولا توجد أية تباشير في الأفق. وأضاف "السؤال المطروح حالياً في الداخل الإيراني والذي أعيته الإجابة هو كيف تواجه حكومة الملالي هذه الانتفاضة الهائلة من الشعب، والواضح من تاريخه الأسود أنه لا يحيد عن أساليبه الديكتاتورية، حيث اتخذ عدداً من الخطوات الفاشلة كتوجيه الاتهام إلى الصفقة النووية مع إيران وأنها سبب البلاء الذي حلّ بالشعب، كذلك اتهام روحاني بأنه السبب الرئيس فيما وصلت إلىه البلاد وبطبيعة الحال هذه تهم أقل ما يقال عنها نسجٌ من الخيال، فمن يدير الاقتصاد الإيراني ويستفيد منه هو الحرس الثوري، كما اعتمد نظام الملالي في الرد على المظاهرات أساليب الدول المتخلّفة التي لا تؤمن بالديموقراطية عبر حملة اعتقالات واسعة وتعذيب للمعتقلين، فعدد المعتقلين الآن يربو عن ألفي شخص من المتظاهرين في المدن الإيرانية المختلفة خلال اليومين الماضيين"، وأكد رداد أن الصورة التراكمية في إيران الآن التي تشير إلى سقوط مراكزها في مشهد وقم، سينعكس سلباً على مناطق الصراع المختلفة، بدوره قال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين: نستطيع الجزم أن الفقر والبطالة التي وصلت مستوياتها ل 40 % في إيران بالإضافة إلى التضخّم وانهيار العملة والفساد هو من تسبب في حدوث هذه الثورة وهو الذي يقوم على تغذيتها حتى سقوط النظام الإيراني، وما يحدث في أغلب المدن الإيرانية هو انعكاس فعلي لإرادة الشعب الإيراني في التحرر من الظلم. وأوضح أن منبع الاحتجاجات الحالية هو الوضع الاقتصادي بالدرجة الأولى، فمدينة مشهد على سبيل المثال لا الحصر تعرضت للدمار بسبب الزلازل ووعد حينها النظام الإيراني بمعالجة الوضع وتعويض المواطنين دون أن يفي بهذه الوعود.