قبل يومين من التاريخ المحدد لإعلانها تلقيت دعوة لتقديم المؤتمر الصحفي المصاحب للكشف عن الميزانية العامة 2018، ورغم مشاركتي في العديد من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية خلال الأعوام الماضية إلا أن لهذا الحدث أهمية خاصة تتطلب المزيد من التحضير والغوص في العشرات من المصطلحات التي لا أفهم منها إلا ما أسمعه من الزملاء في النشرات الاقتصادية. لم أتردد في الاتصال على كل من أعرفه من الكتاب والخبراء في هذا المجال لأن العناد والتهرب من الجهل بالإنكار قد يقود إلى خطأ كارثي قد يتجاوز المستوى المحلي ليحدث تأثيراً على الأسواق العالمية التي تراقب باهتمام بالغ ما سينتج عن الميزانية السعودية. في الرياض.. شباب من الجنسين، وكفاءات إدارية تتشارك غرفة عمليات حقيقية اتخذت من مقر وكالة الأنباء السعودية حيث مكان انعقاد المؤتمر الصحفي مقراً مؤقتاً لها، جهود تسابق الزمن والساعات الأخيرة الحاسمة، والكل منغمس في أرقام وبنود بالغة السرية لا يمكن الكشف عنها أو السماح بتسريبها قبل الإعلان الرسمي. مر الاجتماع الأول مبهماً بالنسبة لي.. فكما توقعت انطلق الجميع في استخدام تراكيب ومعادلات لا زلت أجهل معظمها حتى الآن، بعد ساعة على الأقل من الصمت والاستماع بدأت الرؤية تتضح بعض الشيء حينها توقفت عن القلق وتبلورت لدي معظم الأسئلة التي سأطرحها لاحقاً في المؤتمر. في اليوم المنتظر وفي الطريق إلى (واس) سمعت صوت انفجار صاخب سرعان ما اجتاح الحديث عنه مواقع التواصل.. الدفاعات الجوية تعترض صاروخاً حوثياً دون وقوع إصابات أو أضرار.. غير ذلك لم يكن لهذا الخبر أي أهمية أو تأثير على الحدث الأهم ذلك اليوم فالجميع بانتظار اجتماع مجلس الوزراء الذي سيعلن من خلاله الملك سلمان - يحفظه الله - عن الميزانية وما تحمله من مفاجآت سارة للمواطنين والاقتصاد الوطني. جاء خطاب سيدي خادم الحرمين الشريفين واضحاً عندما أكد على أن هذه الميزانية هي استمرار للعمل على إيجاد تنمية شاملة متوازنة في كافة مناطق المملكة دون تفريق بين منطقة وأخرى.. وبالتالي فإنها ستسعى للوفاء باحتياجات ومتطلبات كل مواطن.. أياً كان.. وأينما كان. تصريحات لاحقة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكدت هذا التوجه حين قال سموه إن ميزانية 2018 ميزانية توسعية تنموية جاءت لتضع المواطن على رأس أولوياتها. عاد وزير المالية محمد الجدعان من اجتماع مجلس الوزراء وعليه الكثير من ملامح الارتياح.. بدأنا المؤتمر الصحفي بمشاركة وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري ومحافظ مؤسسة النقد الدكتور أحمد الخليفي.. وبعد الغوص في الكثير من التفاصيل التي تتحدث عن الميزانية المرصودة الأضخم في تاريخ المملكة بما تضمنته من زيادة في الإنفاق الحكومي على دعم المشروعات والخدمات المقدمة للمواطنين وتنويع مصادر الدخل وتراجع العجز مقارنة بالعام السابق، أدركت أن أكثر ما يميز هذه الميزانية بعيداً عن لغة الأرقام والحسابات والمعادلات أنها تمنح الأولوية للرقم الأهم.. المواطن.