بتصويت 128 دولة لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو واشنطن إلى سحب قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل وضع العالم أجمع الولاياتالمتحدة في موقف الدولة البعيدة عن الإجماع الدولي جراء اتخاذها قراراً أحادياً يطلق الرصاصة الأخيرة على عملية السلام في الشرق الأوسط. الإجماع الدولي في قضية القدس كان متوقعاً، فالعالم الحر يرفض أي شكل من أشكال الاحتلال وفرض الأمر الواقع بالقوة يضاف إلى ذلك ما تمثله القدس من مكانة بين أتباع الأديان السماوية، ورغم أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزم إلا أنه يعكس إيماناً بالسلام المبني على احترام الثوابت وحق الشعوب في تقرير مصيرها. "لا سلام دون القدس عاصمة لفلسطين" هو الشعار الذي قابل به العالمُ القرارَ الأميركي مع دعوات بضرورة سحبه، وإعلان لفقدان الولاياتالمتحدة أي دور مستقبلي في أي مفاوضات بين العرب وإسرائيل التي زادها الإجراء الأخير عناداً ومكابرةً. الحكومة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني الفاعل في أميركا وحدهما من يسعيان إلى مضي إدارة الرئيس دونالد ترمب قدماً فيما اتخذته من خطوات ويحثانها على تجاهل إرادة المجتمع الدولي، في حين ترى القوى المعتدلة في واشنطن أن ما حدث في الأممالمتحدة قد يجعل من أميركا دولة معزولة، وهو ما يعني استمرار الرهان في قدرة الإدارة على تصحيح المسار والعودة إلى الواقعية والعمل بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالعاصمة الفلسطينية. من الصعب على أميركا مواجهة العالم، ولن يخدم موت عملية السلام مصالحها في المنطقة، وما شهدته أروقة الأممالمتحدة أول من أمس يستدعي إجراء مراجعة شاملة وسريعة من قبل البيت الأبيض لهذا الملف المهم، فسياسة "أميركا أولاً" التي أطلقها ترمب يمكن تفهمها بعكس ما يجري على أرض الواقع والذي قد يفضي إلى "أميركا بلا أصدقاء" إذا ما أُخذ بعين الاعتبار وقوف دول كبرى وإقليمية رئيسية ضد الإجراء الأحادي المتعلق بالقدس.