لماذا لا نقرأ التاريخ ونحلل منتجه، ولماذا لا نتفحص أين تكمن بذرة الفناء تلك والتي يطلق عليها علماء التاريخ ب (الحتمية التاريخية)..لماذا لا نقرأ التاريخ ونحلل منتجه، ولماذا لا نتفحص أين تكمن بذرة الفناء تلك والتي يطلق عليها علماء التاريخ ب (الحتمية التاريخية).. إن كل حضارة تحمل في طياتها بذور فنائها؛ فأين تكمن بذرة فناء هذا الزمن أو قل هذه الحضارة ؟. لقد استمعنا إلى قراءات بعدد حبات الرمل وبعدد قطرات المزن عن دوافع هذا اللهيب الذي يجتاح العالم بأسره من إرهاب ومؤامرات وسفك للدماء، والمستقر نسبيا في هذه البلاد أو تلك، يخفون أكثر مما يظهرون من التآمرات واللعب على كل الحبال إن جاز التعبير. ولعل الدارس والقارئ والمتفحص في الأدب العالمي عبر التاريخ يخرج لنا بتقلبات عصره ومدارات تاريخه في ثنيات أدبه والذي هو – أي الأدب- أصدق من المؤرخ ، فالأدب دائما وأبدا تنضح جنباته بتاريخ خفي بين السطور أكثر صدقا وأوضح شفافية. وإذا ما أردنا السباحة في أمواج عصرنا وما تموج به تقلبات فلسفته وفكره لوجدنا أنه يجب أن نقرأ وقبل كل شيء تاريخ العصور السابقة وماهو الذي يحكم التاريخ ويحدد جداوله؟ ولن نتحدث إلا عندما يخرجه لنا المبدع المؤرخ الحقيقي لعصره لتلمس الطريق فيما تفرضه الفلسفة على شعوب العصر نفسه في سباحة فكرية في ثنيات المنتج الادبي ففي الإبداع اليوناني كانت النزعة بطولية تبحث عن البطل الخارق وهذا يؤكد لنا عن روح القوة باتجاه قوى قادمة مثل الرومان فأدب الإلياذة والأوديسة لا يخفى على أحد تلك النزعة التحررية التي باتت طريقا للحرية فبدأت في شكل الرمز وانتهت باعمال أرستوفانس في ظهور تلك الكوميدبات اللاذعة فالقهر كان بذرة الفناء تمهيدا لقدوم الرومان. ثم أتى العصر الروماني الذي بدأت تسيطر علية النزعة الجسدية ويظهر ذلك في التفاصيل الدقية في تماثيلهم ومنحوتاتهم فكان عصرا غلبت عليه (اللذة). ولعل لفلسفة أبيقور في ذلك شأنا لقد كان الرومان يجعلون ممرات بجوار الموائد لقذف مافي جوفهم والاكل مرة أخرى امعانا في اللذة وحينما تصل سمة العصر يتهاوى نحو عصر اخر! فكانت اللذة هي بذرة الفناء والتهاوي! ثم يأتي العصر الوسيط فيمعن في الانغلاق والتشدد والتطرف الديني حتى أصبحت الكنيسة مهيمنة على كل أمور الدنيا والدين حتى صارت تعدم كل العلماء والمفكرين والمخترعين الذين أصبحت اختراعاتهم وأفكارهم مسارات للعصور التي تلتها! ومن هنا كان التطرف والتشدد هو بذرة الفناء لهذا العصر. ثم عصر النهضة الذي خرج بكل أنواع التحرر من الكنيسة وسطوتها وعلى أي حال كانت الأخلاق والواجب والانتصار على العاطفة هي سمة هذا العصر وتمثل ذلك في كل فنون النهضة وكتابها مثل كورني وراسين ثم شكسبير واعمال فان خوج ومانيه وغيرهم . ثم يأتي العصر الرومانسي فتعم الرومانسية العالم كله والتي ظهرت في الآداب والفنون ، لكن نزعة الاستعلاء والسيطرة أنتجت الحربين الأولى والثانية فأضحى العالم مشوه بالحروب فكانت النزعات الاستعمارية هي بذرة الفناء لتلك الفترة . في القرن العشرين نجد أن ثيمة المال والجنس هي المسيطرة على ذلك العصر وهذا ما أنتجه أدب القرن العشرين وخاصة في الأدب الأميركي والروسي كما في (تحت أشجار الدردار) ل يوجين اونيل أو حتى في أدبيات نجيب محفوظ أو بوشكين وغيرهم. فسلطة المال والجنس مجتمعتان كانتا بذرة الأفول وخروج عصر جديد وهو الذي نحياه في القرن الواحد والعشرين والذي تسيطر عليه سلطة المال والمال فقط وأعتقد أنها بذرة فنائه والخروج منه لعصر جديد. إنه لم يعد خافيا على أحد سيطرة المال على مقدرات الشعوب بل السيعي حثيثا نحوه فهو مقصد هذا العصر، فما نراه من حروب ومن صرعات ليس بدافع الاستعمار أو العرقية أو الإثنية أو أي شيء أخر سوى المال والصراع عليه وذلك لأن القيمة أصبحت للمال وليس للإنسان فاندثرت النزعات الإنسانية أمام المال، وقد أدركت بعض الدول ذلك مبكرا فضخت المال وقبرت الإنسان وأعلت من سلطة المال لأن الفرد نفسه أمن بقيمة المال على حساب أي شئ آحر!. من منا لا يعلم قدرة وسطوة المال ونفوذه في الشرق والغرب، حين غزت النفوس، فغيرت قواعد الأخلاق التي كانت هي سمة عصر النهضة وكل نهضة تتوق إليها أعناق الحضارات الطامحة للخلود، فانتشر الفساد وبيعت الأوطان بالخيانة والعمالة وارتفع صوت القوة العاتية التي تمتلك المال والذي يصبغ على العصر سمة القوة والهيمنة والهيبة وبالتخويف والترويع أحيانا فقط لأنه أقوى اقتصادا فأصبح أكثر نفوذا بكل الأساليب المتاحة عبر سلطة المال وموت الأخلاق! ومما لا شك فيه أن موت الأخلاق ونزعة المال في عالم تحكمة المادة هي بذرة فناء يحملها هذا العصر في جنباته كحتمية تاريخية فلا يتسع المقال لطرح ما تنضح به جنبات الآداب والفنون العالمية المعاصرة الدالتين على نزعة العصر نفسه. لماذا لا نقرأ التاريخ ونحلل منتجه، ولماذا لا نتفحص أين تكمن بذرة الفناء تلك والتي يطلق عليها علماء التاريخ ب (الحتمية التاريخية)..