الذي - في تصوري؟ ما هي حقيقة هذا التصور؟ أو بمعنى مختلف: لماذا الكهف؟ ما هو مصير هذا الكشف الغريب: العودة السحيقة في التاريخ القديم؟ إن الكهف في إحدى صوره، هو: الإنسان... ربما! الكهف. ما هو الكهف الذي أعني وأتجشم العناء في وصفه، في إثبات حضوره. إنه كما يبدو الملاذ السكن. والملاذ دائماً ما كان الغاية التي تنتهي بالهارب الباحث. أي هارب هو؟ إنه الهارب من الخوف بلا شك الباحث عن الأمان...). * إنه خوف ضياع الذات.. ضياع الفاعل.. والامتزاج في (سيولة) العالم اللزجة.. يقول فريدريك جيمسون: (نجد اليوم، ومن أكثر من منظور، أن المنظرين الاجتماعيين والمحللين النفسانيين، وحتى اللغويين، هذا إذا لم نتحدث عنا نحن العاملين في حقل الثقافة والتغيير الثقافي والشكلاني، يتناولون، جميعاً فكرة أن ذلك النوع من الفردانية والهوية الشخصية شيء من الماضي، وأن الفرد القديم أو الفاعل الفرداني: ميت). هذا ما يشير إليه جيسون حول ما بعد الحداثة ومجتمع الاستهلاك في إحدى مقالاته.. الإشارة البالغة إلى حد ضياع الفرد وقيم الفردية، قد يلمح جيسون إلى فردانية التصور الليبرالي، لكنني هنا أشير في هذه الخطاطة إلى الفردانية التي تميز الإنسان عن الوقوع في الشبه والمشابهة التي تدعمها أسس وقيم ما بعد الحداثة المشوهة التي تبتغي اللامعنى، إضافة إلى معايير مجتمع الاستهلاك وعدمية تحول البشر إلى طوابير تنتظر لشراء السلع والمواد التي تظهر في غالبيتها صورة الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها. أشير إلى ضياع الفردانية بمفهومها الإيجابي، وهو المفهوم الذي يعطي الهوية والشخصية المُعتبرة للذات، لأنها والحال هذه، أصبحت غير مجدية في نظر الرأسمالية الجديدة، أقصد الفردانية، ولا في نظر عصر ما بعد الحداثة، لأن تشكل الفردانية التي تبني وتبرز الشخصية والهوية للذات، يصعب من مهمة استمرار تلك القوى: الرأسمالية ومجتمع الاستهلاك وقيم ما بعد الحداثة. تلك القوى القائمة أساساً على اقتصاد السوق، أو سوق الاقتصاد، إضافة إلى مصطلحات وأيديولوجيات من مثل الاقتصاد السياسي، والسياسة الاقتصادية، التي هيأت وبشرت بضياع الهوية وبضياع الذات في غمرة الاستهلاك والمادة والموضة وصيحات الأزياء. * «السكون والكمون والجذر الذي ينطلق منه السكون مقروناً بالركون هو: الكون، وقبله الاستكانة.. عندما أذكر الكهف أكون مستكيناً.. أين (يكون) هذا (الاستكنان).. وكيف.. ولماذا؟). * ما أسميه رد الفعل على العجز عن ابتكار (الحياة) وتتضمن هذه الكلمة – في ما يخصنا هنا ويخص الأفراد الذين كانوا (يؤلفون) المجتمعات - : الأدب، الفن، الثقافة. وبعد ذلك وقبله الحضارة.. لأن الفاعل الفرد إذا كان كامل الفردية متشكلة فيه أسس الذات والشخصية، فهو مفكر بطبعه، وناقد بوعيه، وهذا ما لا يتسق مع مفهوم السوق والاستهلاك – أي الحركة الدائبة، الحركة غير المُبتكِرة وغير المُبتكَرة. لعبة السوق والاستهلاك تفرض العجز وقمع الإرادة، إنها تذكي في النفوس شره الشراء والفناء في المادة، تقلص الروح وتنزعها من صميم الذات والفردانية والتفرد: الوقوف في طوابير الهايبرماركت وطوابير محال القهوة الشهيرة والعملاقة وطوابير الحصول على وجبة دسمة (جداً) من المطاعم ذات اللوحات الإشهارية الملونة بالأحمر والأصفر. * نحن بحاجة لتفكيك منظومات الفكر والعودة للأصل.. بعد أن نفرغ من نقده بصورة نقية بعيدة عن التحيز أو الإقصاء. وهذا الذي سيظنه البعض نكوصاً للوراء ما هو إلا خطوة أو قفزة رمزية للأمام، ذلك أن هذا يعني بالضرورة نقد الحديث أو لنكن أكثر دقة: نقدٌ لِما بعد الحداثة، وتتبع الأفكار والفلسفات التي أدت بظهور هذه الفكرة، عبر نقد الإرث الحضاري والفلسفي الغربي، يجب أن نعيد النظر في مصطلحات كثيرة لنصل لنقد المصطلحات المهيمنة على المجتمعات، لنصل في ما بعد إلى فكرة: نقد خط الإنتاج، بحمولته الرمزية التي تلقي بظلالها على مجتمعات العصر الحديث. ذلك أن الأزمنة الحديثة الحالية روجت للنسخ العديدة المتماثلة، بقتل الإبداع والحِرفية والغد المُبتكر، وفي ما يخص الأدب والكتابة، نستطيع بنظرة فاحصة، أن نقرأ الإنتاج الأدبي في كتاب واحد، لأن الكتب الباقية عبارة عن نسخ مشابهة بل مطابقة لمثيلاتها وإن تغيرت العناوين، أضف إلى ذلك أن العناوين – أيضاً – باتت متشابهة تماماً مثلما يحدث في خط الإنتاج في المصنع: تسير آلاف قطع المنتج وراء بعضها مُشكلةً صفا من التشابه. * «الكون الاستكنان» إن الاستكنان طلب الكون.. الكون صامتٌ ساكن مخيف.. مهيب.. يحدث ذلك في عمق الزمن وعمق (المكان).. وها هو يعود الكون مرة أخرى في المكان. تخيل معي الكون: المكان الذي يخيف امتداده الواسع، بشكل لا نهائي.. عندما تحاول أن تتخيل.. إذاً لنقل: الكون: اللامكان.. الفرع ينفي الأصل.. كيف؟ المكان فرع من الكون الأصل.. لذلك فإن في حال التخيل ينفي المكان الكون.. أو أن الكون لكي نستطيع أن نحيط به وجب أن ننفيه بفرعه: المكان.. ونقول: الكون يعني في مساحته (المتخيلة المكان). * ناقد سعودي.