زيادة الإيرادات غير النفطية وتخفيض العجز ليس العنوان الوحيد في أكبر ميزانية إنفاق للدولة 2018، ولكن هناك عناوين أخرى لا تقل أهمية في إدارة الحسابات المالية، منها الجودة، والدقة، والشفافية، والإفصاح، وإدارة المخاطر، إلى جانب إعداد الميزانية من أسفل إلى أعلى لمتطلبات الجهة المستفيدة، ومن أعلى إلى أسفل لمتطلبات النمو؛ وفق سياسات متوسطة المستوى وأهداف قابلة للقياس. هذه العناوين ليست مرحلية أو انتقالية، ولكنها معايير ثابتة لضمان مخرجات أفضل على أساس من التوازن والاستحقاق المالي، وإدارة النمو الاقتصادي وفق مؤشرات ذات عوائد، وبالتالي لم يعد تقدير الموازنة مرتبطاً بالنفقات المرصودة لكل جهة، ولكن أيضاً بحجم الإيرادات المتوقعة منها في نهاية كل عام، وهذا المردود ليس بالضرورة أن يكون مالياً، ولكن أن يحقق عوائد في دورة النمو الكلية للاقتصاد، وتعظيم الناتج المحلي. المؤشر اللافت في الميزانية ارتفاع الإيرادات غير النفطية؛ نتيجة الرسوم، والضريبة الانتقائية، وعوائد الاستثمار، وتوقع زيادتها في موازنة العام المقبل مع دخول الضريبة المضافة حيز التنفيذ، وتصحيح أسعار الطاقة، إلى جانب إدارة الميزانية بكفاءة إنفاق على أساس من الاستحقاق المالي وأولوية المشروعات، كذلك الرقابة الصارمة على المال العام والتصدي للفساد. تقديرات الموازنة للعام المقبل 2018 مطمئنة في توجهاتها ومبادراتها التنموية، ومشجعة في تعزيز مكانة وإمكانات الاقتصاد السعودي وبيئته الاستثمارية، وتوسعية في مشروعاتها وبنودها ما بين 978 مليار إنفاق، و783 مليار إيرادات، و195 مليار ريال عجزاً متوقعاً، رغم حجم التحديات السياسية والأمنية والعسكرية الكبيرة التي تواجهها المملكة في المنطقة، وتراجع أسعار النفط، فضلاً عن مرحلة التحول من رعوية الدولة إلى الإنتاج، وتأسيس ثقافة مجتمعية قائمة على الترشيد، وكل ذلك وغيره يتطلب التعامل مع الأرقام على أنها محفز لتحقيق رؤية 2030 ومستهدفاتها على قاعدة صلبة من اقتصاد متعدد المصادر ليصل إلى 50 % من إيرادات غير نفطية في الموازنة المقبلة، كذلك تفعيل مشاركة الصناديق التنموية، وصندوق الاستثمارات العامة، وتحريك وتحفيز القطاع الخاص ليمثّل شريكاً مع الدولة في مهمتها نحو الإصلاح الاقتصادي. الميزانية في تفاصيلها وأرقامها تبقى تقديرية، ولكن يبقى المواطن الرقم الأهم فيها؛ لذا كانت كلمة الملك سلمان في إعلان ميزانية الدولة واضحة في تنمية متوازنة قائمة على تلبية احتياجات المواطنين، وتحديداً في قطاع الإسكان، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، وتنفيذ مشروعات البنية التحتية، والاستمرار في محاربة الفساد لضمان أن ما يُصرف من الميزانية يتحقق في الواقع وليس على الورق، وهي إشارات مهمة تلقاها المواطن وهو على ذات الثقة في قيادته، واقتصاده، ومستقبله، وتعزيز مشاركته في التنمية خلال المرحلة المقبلة.