تأكيدًا لمقالي السابق (العلاج بالفن)، فقد مررت بتجربة ذاتية فريدة من نوعها، مع ذوي الاحتياجات الخاصة.. وفحوى هذه التجربة التي جاءت ضمن مشروع (الاختلاف يولد الائتلاف) الذي يهدف إلى دمج طالبات الفكري، مع طالبات العام، كان من ضمن الطالبات في المشروع الطالبة (مريم)؛ وهي إحدى طالبات الدمج في المرحلة الثانوية؛ حيث كانت رسوماتها لا توحي بعمرها العقلي ولا بانتمائها لذوي الاحتياجات الخاصة. وبعد ملاحظتي لها وسؤالي عنها، اكتشفت أنها موهوبة في الرسم ولها عالمها الخاص الذي طالما عبرت عنه بالرسم. ساقني فضولي إلى استقصاء تاريخها في المرحلة الابتدائية؛ حيث ذهبت إلى مدرستها الابتدائية والتقيت معلمتها، واطلعت على الكثير من رسوماتها التعبيرية وهي في الثامنة والعاشرة من العمر؛ حيث كانت تعالج قضايا اجتماعية وإنسانية كنشرها للوعي بمعاناة السمنة، وتفاعلها مع قضية سوريا، وفي المرحلة المتوسطة أظهرت الجانب الإنساني لديها في قصة (أبكي سوريا)! هذا ما دفعني للدهشة!! كيف بتلك الفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة أن تتطرق لهذه القضايا؟! أدركت حينها أنه ليس هناك إعاقة مشاعر مهما تعددت الإعاقات.. لقد قدحت في نفسي حب الدخول في أعماق تفكيرها، فتعاونت معها في كتابة قصة عن الفكر الضال والأمن الفكري، وبالفعل رسمت (مريم) القصة كاملة، وعندما سلمتها لي، وقرأتها في شكلها النهائي؛ أدركت حينها بشاعة هذه المواقف للأطفال.. ولا سيما ذوي الاحتياحات الخاصة. وبالرغم من بساطة القصة، إلا أنها شبه نادرة في مخاطبة الأطفال بخطورة الفكر الضال، والتي طالما ترددت في أن أضع هذه الفئة ضمن إطار التوتر من المجتمع حولهم، ولكن عندما نشاهد هذا الفكر الضال وهو يتغلغل في عقول ضحاياه، ويفرق بين أفراد الأسرة الواحدة والشعوب والدول؛ حينها سندرك أن الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة لا يمكنهم العيش في المساحات الرمادية، بل لابد أن تكون الأمور واضحة بالنسبة لهم.. ومن هنا أتت أهمية كتابة هذه القصة عن الأمن الفكري، وأهمية نشرها في ساحة الطفولة بالأخص، حتى نؤسس أطفالنا بشكل قوي ومتين، ونغرس القيم والمفاهيم الصحيحة في عقولهم؛ لتشكل سياجاً قوياً أمام تلك الأفكار الضالة. من هذه التجربة التي مررت بها مع مريم، أيقنت أن ذوي الاحتياجات الخاصة لن تمنعهم إعاقتهم من النبوغ، فهم أصحاب الهمم بالأمس، واليوم، وغداً بإذن الله.