هناك شعراء مشهورة قصائدهم، نظراً لقدرتهم على قول الشعر والوصول به إلى أكبر عدد من المتلقين، من خلال الجودة والثقافة والشمول وما يهم المجتمع، وفي الوقت نفسه لأنه يعكس رؤية الشاعر ويبرز حكمته وبعد نظره ومصداقية مضامينه. ومن المعلوم أن كل شاعر عندما ينظم قصيدة وتأخذ منه وقتاً في اختيار تراكيبها وأوزانها وقافيتها ومعانيها ويرقب اتجاه فكرتها؛ يهدف بالدرجة الأولى إلى التعبير عن مشاعره وأحاسيسه تجاه أمر معين ومواقف يمر بها وتمر به، وكونه يعبر بالشعر فلأنه يملك هذا النوع والأسلوب من التعبير، ويرى أنه بارع فيه فيفتخر بإنتاجه، وفي النهاية يريد أن يصل إنتاج أكبر عدد من المتلقين، وكان الشعراء وما يزال المتميز منهم يحتفظ ببصمة واضحة في شعره، ومع هذا يمكن أن تتشابه القصائد وتقترب من بعضها في كثير من الأحيان، ولم يكن في الماضي ولا الحاضر أيضاً ما يثبت القصيدة وأحقية الشاعر سوى الرواة الذين في أكثر الأحيان محايدون يهمهم نقل المتوفر وروايته كما هو، ومع هذا تختلط بعض القصائد بأبيات لا تكون لقائلها، لا يعلم بها الشاعر ولكنها قد تضاف لشعره، وهذه الأبيات قد تكون مقصودة من شاعر خفي أو متستر. فكثيراً ما نقرأ ونسمع قول النقاد والعارفين: هذه القصيدة أو الأبيات ليست للشاعر جبر بن سيار، وهذه القصيدة ليست لفلان بل لسليمان بن علي (أبو مشاري)، وهذه القصيدة أو البيت ليس من أشعار محمد أبو دباس، وهذه منحولة على حميدان الشويعر لتشويه شعره، أو راشد الخلاوي، وتلك مدسوسة في شعر الشاعر الفلاني.. إلخ. كما نقرأ قصائد كثيرة لشاعر مجهول ولكن بصمة الشاعر الفلاني واضحة فيها، وتلك القصيدة لا يمكن أن يقولها إلا الشاعر الفلاني.. إلخ. فبالنسبة للمتلقي لا يوجد لديه مشكلة، ولكن المشكلة تكمن في محاولة إلصاق أبيات ضمن قصائد شعراء مشهورين لشعرهم خاصة الانتشار السريع، مما يحمل بعضاً من لديهم القدرة على قول الشعر على نشر أبيات في الخفاء ضمن قصائد شعراء مشهورين، لأي غرض كان، إما إيجابياً يريدون إيصال رسالة وبحكم كونهم مغمورين لا يلتفت لشعرهم رأوا نشره ضمن إنتاج شاعر مشهور، أو لغرض سلبي لتشويه ذاك الشاعر أو تلك القصيدة. وبالعكس فربما جاء بعض من لديه موهبة الشعر لكنه لا يريد نسبة أشعاره له، فهو يريد التعبير عن حالة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها، ولكنه لا يريد تواجده في الصورة، ينظم قصيدة ثم يقول: يقول الشاعر، ويلقيها على أن قائلها مجهول، بينما تتضح بصمته في شعره أو لا تتضح، فقد تشتهر القصيدة بدون قائل وقد تنسب لأي شاعر ولو أنها ليست له، ومن هناك تناثرت كثير من الأبيات والقصائد وتفرقت بلا قائل فانتفع بها البعض وتضرر منها آخرون. يقول الشاعر سليمان بن علي رحمه الله: كل يوم ما يمر إلا بأمور باحتكام وانتقاض وانقطاع وكل قلب عنده افكار تدور والسراير ما عليهن اطلاع وكل فتق يوم ما يرفا يعود بالتعامل ما يزيد الا اتساع وكل من ركب البحر ظن العبور والمنايا راصدات كالأفاع وفي الآونة الأخيرة بدأ ينحسر دور الرواة المتفرقين على عدد متباعد من المجالس لينوب عنهم رواة وصفحات إلكترونية في الساحة المكشوفة ضمن شبكة التواصل ذات الطابع السريع المباشر في العطاء والتلقي والرد والحوار والمناقشة مما أتاح الفرصة لكل صاحب إنتاج وللشعراء في وقتنا الحاضر لتقديم قصائدهم للمتلقي بأنفسهم وعلى مستوى واسع ووقت أسرع فانحسرت كثير من المشكلات، ومع هذا تبقى بعض مشكلة الشعر السابقة تتجدد كلما تهيأت الفرصة لها.