من السيناريوهات المعروفة والمُتكررة في المنتديات الشعرية وفي (تويتر) وكذلك في المجالس أن يقوم أحدهم بتوجيه نقد موضوعي لأبيات أو لقصيدة شاعر من الشعراء الكبار أو المعروفين أو التنبيه لخلل مُعين فيها، بعدها يتعرض ذلك الناقد أو المُنتقد لهجوم عنيف ويُواجَه بالتساؤل "القذافي" الذي يتكرر سماعنا له هذه الأيام: "من أنت .. من أنت حتى تنتقد"؟! وهذا التساؤل القمعي يصدر من اعتقاد خاطئ بأن كل ما وصلنا من الشعراء القدماء جيد وجدير بالحفظ والاستشهاد وأن كل ما يتفوه به الشعراء المبدعون لا بُد أن يكون مميزاً ولا يحتمل أي نقاش، مع الواقع وتاريخ الشعر يؤكدان على أن إنتاج الشاعر -مهما بلغ من العظمة وحرص على تنقيحه وتجويده- لا يُمكن أن يخلو من قصائد وأبيات ضعيفة أو تتضمن خللاً يلاحظه المتلقي أو الناقد، وقديماً قال بشار بن برد حول حتمية تفاوت مستوى قصائد الشاعر بين الجودة والرداءة: "إنما الشاعر المطبوع كالبحر، مرّة يقذف صدفة ومرة يقذف جيفه"، وكذلك أخذ الأصمعي على أبي العتاهية تذبذب مستوى قصائده بشكل واضح فقال عنه: "شعر أبي العتاهية كساحة الملوك، يقع فيه الجوهر والذهب والتراب والخزف والنوى"..! قد يُعذر الشاعر حين يقع في الخطأ وتصلنا قصيدته ببعض العيوب الفنية أو الشوائب إما لأنه غفل عنها -ولو استقبل من أمره ما استدبر لتخلص منها- أو لأنه لم يحرص على تصحيحها انطلاقاً من رأي أبي تمام الذي يقول: "شعر الرجل عنده مثل أولاده فيهم القبيح والرشيد والساقط وكلهم حلو في نفسه"، وكذلك قد نعذر المتلقي العادي حين يحفظ أبياتاً ضعيفة لمجرد أن قائلها هو الشاعر الكبير فلان الفلاني، لكننا لا نجد عذراً للكاتب أو الناقد الذي يُبرز أبياتاً هزيلة ويُبالغ في الحديث عن حجم الإبداع فيها دون أن يكون فيها أي تميز وتكاد تتساوى مع الكلام العادي في عدم وجود أي صور شعرية خارجة عن المألوف أو وجود عناصر فنية جديرة بالإشادة، وأعتقد أنه لا يصح أن نتعامل مع القصائد الشعرية بغض النظر عن قائلها وزمنه بقدسية أو بحذر مفرط لأن الشعر إنتاج بشري لا يمكن أن يخلو من العيب والقصور. أخيراً يقول فايز بن محمد السبيعي: يا سم قلبي كل ما قلت لي سمّ وش عاد بيجيني ليا قلت لبيه كنك تقول أذبحك وأقول لك: تم وكنك تقول أرحمك وأقول لك ليه؟!