تتصدّر أخبار المملكة ولا تزال وسائل الإعلام العالمية؛ لعل أبرزها الخطاب السياسي تجاه قضايا المنطقة الساخنة ومنها الموقف من تطورات القضية الفلسطينية وإيرانوقطر، ومبادرات الإصلاح الاقتصادي الذي يمضي في وتيرة متسارعة وفق رؤية طموحة، والنشاط العسكري في تحالفات متعددة أهمها الملف اليمني، إلى جانب الحرب على الإرهاب والأفكار المتطرفة في مهمة تدمير وخلاص من جذورها، وأخيراً الحرب على الفساد في قرارات تاريخية غير مسبوقة. هذه المحاور الرئيسة وغيرها شكّلت مادة الضجيج الإعلامي الدولي والتفاعلي تجاه المملكة في الفترة الأخيرة، حيث لا تزال المعلومات التي تستقي منها تلك الوسائل عن السعودية متعددة المصادر الثانوية غير الرسمية، وتفتقد معظمها إلى الدقة والمصداقية والموضوعية في التناول، إلى جانب –وهذا أمر مهم- تحمل أجندات مسيّسة للنيل منها، أو إثارة الموضوعات التي ليس لها أساس من الصحة، أو إسقاطات تلّون معها الحقائق نحو مكاسب وقتية، ومضامين متحيّزة، والتأثير في الجمهور الداخلي والخارجي الذي يتابع التفاصيل وردود الفعل وتفسيرها وتحليلها والحكم عليها أكثر من مجرد الحصول على المعلومات فقط. ولنا في الموقف الأخير من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس ردة فعل إعلامية غير مبررة تجاه المملكة التي أعلنت موقفها بوضوح، ولكن هناك من يحاول أن يحمّل السعودية ما لا تحتمل، ويخلط الأوراق لمصالحه على حساب أجنداته مثل إيران، أو تخفيف ضغوط مقاطعته مثل قطر، ويبقى الأخطر حشد الرأي العام العربي نحو تبادل الاتهامات، والخروج عن نصوص التوافق. واقع المؤسسات الحكومية في المملكة أمام ظاهرة الإعلام الجديد والإعلام العابر للحدود لا تزال مقيدة بصلاحيات التعبير، ونطاق المسؤولية، حيث أصبحت كل جهة مناط بها الرد أو المبادرة مع وسائل الإعلام بحسب طبيعة الرسالة التي ترتبط بها، وليس الرسالة التي يُفترض أن تتشكّل للتعبير عن الوطن وسياساته وتوجهاته؛ لذا كثير من الأسئلة لم تتم الإجابة عنها لأنها لا ترتبط بصلاحية الجهة، وبقيت معلقة، والبعض الآخر تم تجاهلها وتضخمت بفعل ماكينات الإعلام المضاد للإثارة، والتأزيم، والتشويه أحياناً. الواقع أن دوائر الإعلام في المملكة متعددة، بعضها يعمل على تشكيل الرأي العام في شبكات التواصل الاجتماعي، والآخر تنفيذي مع مؤسسات الداخل، والثالث في مهمة خارجية مع وسائل الإعلام الدولية ووكالات الأنباء، والرابع متخصص في ملفات ساخنة تجاه قضايا المنطقة، أو ما له علاقة برؤية المملكة 2030، وهذه الجهود حققت نجاحات جيدة، لاسيما في شبكات التواصل الاجتماعي، لكنها بحاجة اليوم إلى رابط أكبر من لجنة تنسيق؛ إلى بناء إستراتيجية إعلامية موحدة للخطاب بين تلك الدوائر، وتحديد الأولويات والمهام والصلاحيات بينها، والتعبير عنها في شكل توجهات كبرى، ثم تباشر معها تلك الدوائر مهامها في المعالجة كل بحسب اختصاصه، مع استدعاء المشاركة الشعبية لتمتين حوائط الصد، وتعميق الوعي الوطني.