قيادة الرأي العام في أي مجتمع ليس أمراً سهلاً في ظل تعددية مصادر المعلومات، وتنوع الأفكار، وما يغذيهما من أجندات وإيديولوجيات، وما يحكمهما من نفوذ ومصالح، وما ينتج عنهما -المعلومات والأفكار- من تشكيل للوعي المجتمعي تجاه أحداث وقضايا، وما يترتب عليهما من تنامي حرية الرأي والتعبير، بدءاً من متغيّر لغة الرسالة في التفسير والتحليل والحكم والتنبؤ، ومروراً بطبيعة الوسيلة التي أضحت متاحة بشكل كبير في التفاعل بين الجماهير، وانتهاءً برجع الصدى للتأثير في المواقف والتوجهات. ورغم كل تلك التحولات؛ يبقى الرأي العام مؤثراً بعناصره (القضية، الجمهور، التفضيلات، التعبير، القياس، الزمن)، ولا غنى عنه في حركة واستدامة أي مجتمع (شمولي أو ديمقراطي) بكافة مكوناته (السلطة، الحكومة، الشعب، المؤسسات)، وعلى رأسها وسائل الإعلام التي يعوّل عليها اليوم استعادة سلطتها والحفاظ على مكتسباتها من أمام الجماهير في شبكات التواصل الاجتماعي. الرأي العام عادة يتشكّل بفعل سياسي، ومجتمعي، وما تثيره جماعات النخب والمصالح، ويسعى أن يكون مبادراً في تعبيره، وفاعلاً في تأثيره، ومشاركاً في صنع قرار مجتمعه، ومنفتحاً على الآخر برؤيته وثوابته، ولا يتحقق له غايته إذا كان عفوياً منفعلاً من دون أن يكون مؤسساً في الداخل، وتكون له هويته الوطنية، وحدوده التعبيرية، ومحدداته التنظيمية والقيمية والمهنية والتقنية؛ حتى لا يسهل الالتفاف عليه، أو رهنه، أو تأزيمه، أو اختراقه. نحن في المملكة أثبتت الأحداث والمواقف أن الرأي العام السعودي محصّن تجاه وحدة مجتمعه، وأمنه، واستقراره، وأكثر من ذلك وعياً بمسؤولياته، وتلاحماً مع قيادته، والإعلام شاهد على تلك التفاصيل، وشريك في نقلها والتعبير عنها. لذا؛ نقترح على وزير الثقافة والإعلام د. عواد العواد -الذي بات قريباً من الرأي العام بتصريحاته، وحضوره، وتفاعله- إنشاء وكالة جديدة ضمن هيكلة وزارته بمسمى وكالة الوزارة للرأي العام، بحيث تبقى وكالة الإعلام الداخلي لمتابعة وتوجيه المطبوعات، وتنظيم ممارسة الأنشطة الإعلامية، وجريدة أم القرى، والرقابة، وحماية حقوق التأليف، ولجان النظر في المخالفات، وتتفرغ الوكالة الجديدة لمهام قيادة الرأي العام، وتوجيهه، ودراسته، وقياسه، والتصدي لمحاولات اختراقه، إلى جانب توعية المجتمع بحرية الرأي والتعبير، وما يترتب عليها من مسؤوليات قانونية وأخلاقية. المرحلة المقبلة تستدعي مزيداً من تحصين الرأي العام السعودي، وفي الوقت نفسه تفعيله لخدمة قضايا وطنه، ويكفي أن دولة صغيرة بحجم قطر تدير 23 ألف حساب معادٍ للمملكة في شبكات التواصل الاجتماعي؛ فكيف هو الحال بإيران، وتنظيمات وجماعات إرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان!.