نظرية انتقال المعلومات على مرحلتين من وسائل الإعلام إلى قادة الرأي ثم إلى الجمهور لم تعد بتلك الفرضية التي تفهم في سياق التأثير العفوي من دون تحيزات مسبقة، وانتماءات مرجعية متعددة، ولم تعد في أساسها فقط الجماعة، والاتصال الشخصي بين أفراد المجتمع، بل هناك تحولات مهمة في جوهر النظرية، وتحديداً في أوقات الأزمات، حيث أصبحت وسيلة لانتقال المعلومات بين إعلام مضاد وآخر، وتحمل في مضامينها رسائل سياسية تتجاوز الجمهور إلى الحكومات. من يتابع الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة بعد أزمة قطر الداعمة للإرهاب؛ يدرك أن مصادر الحشد والتعبئة تتم وفق مرحلتين من وكالات أنباء دولية أو قادة رأي عالميين مؤثرين في قضايا وليست جماعات إلى قناة الجزيرة، ثم إلى الجمهور، والهدف أصبح واضحاً، وهو تحاشي المواجهة الإعلامية بين قناة الجزيرة الممولة قطرياً والمملكة كنظام سياسي، فمثلاً حين تنقل الجزيرة معلومات مغلوطة من وكالات عالمية أو تستضيف مختصين للحديث عن المواقف والتوجهات والتحولات الاقتصادية السعودية؛ هو في الواقع لمن يفهم ويعي تعبير عن موقف قناة الجزيرة من المملكة، ومحاولة إسقاط مكشوفة، ولا تحتمل تفسيرات أخرى. إعلام الجزيرة مستفز إلى درجة تشعر معه بردة فعل ليس على ما يقال فقط، ولكن بحجم ما يسوقه من أفكار وأجندات ملونة في تشويه الحقائق، والقفز عليها بخيالات تتجاوز الواقع، والمنطق، وتخرج إلى الفضاء الخارجي لإرباك المشهد، وإثارة المخاوف والتساؤلات حوله، وتضخيم تداعياته، وصولاً إلى التشكيك في عقول المتلقين، وثوابتهم وانتمائهم وولائهم تجاه أوطانهم وقيادتهم. خلال الأيام القليلة الماضية سوّق إعلام الجزيرة مدعوماً من قطر جملة من القضايا المستفزة تجاه الأمن الخليجي، أبرزها الحرب مع إيران، والحرب المذهبية الطائفية الكبرى، والعلاقة مع إسرائيل، والموقف من القضية الفلسطينية، فضلاً عن قضايا اقتصادية للنفط الصخري الأميركي وتداعياته على اقتصاديات المنطقة، وأخرى ذات علاقة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير. هذه القضايا التي بدأت تتسلل إلى تطبيقات الهواتف الذكية لمواطني دول الخليج المقاطعة لقطر تحديداً، وشبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب ما تكتبه أقلام مأجورة في الخارج؛ كل ذلك بهدف إثارة الفزع والخوف من المستقبل، ومحاولة الانقسام في الداخل، وجرّ المنطقة إلى صراعات إقليمية وصولاً إلى أهداف أكبر من أزمة قطر الحالية. أكثر ما يطمئن المتلقي السعودي والخليجي عموماً أن قناة الجزيرة لم تعد ناطقة باسم الشعوب كما تدعي، بل أظهرت وجهها القبيح الذي لم يكن غائباً عن المشهد طوال العقدين السابقين، وسنراها أكثر قبحاً مع وصول الأزمة في قطر إلى طريق مسدود.