د. لا يزال الإعلام السعودي يمثِّل حجر الزاوية في التعاطي مع أزمة قطر، وأول من أثار تصريحات تميم، وأكثر من تناول تفاصيل المسكوت عنه منذ عقدين من الزمن، وهي تجربة مختلفة عن أزمات أخرى كان فيها النظام السياسي يصدر بيانه ثم تتحرّك وسائل الإعلام لتغطيته وتحليله، ولكن هذه المرة الإعلام وتحديداً الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي سبقوا البيان الرسمي، وهيأوا الفرصة للقرار السياسي ليكون أكثر تأثيراً ووضوحاً وقوة. الإعلام السعودي أثبت أنه قوي ومؤثر، وصاحب تجارب طويلة في التعامل مع الأزمات، وزاد عليه خلال أزمة قطر ارتفاع سقف حرية الرأي والتعبير، والهامش المتاح للتناول، حيث ساهما في تصعيد مهني لتكوين رأي عام داخلي وخارجي معاً، وهي مهمة لم تكن سهلة، ولكن الجميع كانوا على موعد مع الوطن، والدفاع عنه، وتحمّل مسؤولياتهم في التصدي للحملات الإعلامية المضادة التي كانت تحاول أن تغيّر أو تلون الحقائق، أو تستبق القرارات بفزّاعات الإرهاب وإيران والإخوان. كل من تحدث أن هناك مبالغات إعلامية في التعاطي مع أزمة قطر لا يدرك تفاصيل ما قامت به حكومة الدوحة على مدى عشرين عاماً، وطبيعة الذات الحاكمة هناك من المكابرة والكذب والخيانة ونكران الجميل، إلى جانب حجم المشروع القطري في تفتيت المنطقة، واستهدافه السيادة والكيان السعودي.. كل ذلك وأكثر قليلٌ في حقه كلمة مبالغة؛ فهو نظام تجاوز كل شيء ليُرضي نفسه المريضة من عقدة النقص، والحالمة بعرش أكبر من حجمها، والمتوهمة أن المال السياسي وحده يصنع الفارق ويحقق الأمنيات. الإعلام السعودي نجح في فرز الأزمة منذ يومها الأول؛ فالحكومة شيء، والشعب القطري العزيز والغالي علينا شيء آخر، ولا مجال للخلط، أو المقارنة، أو حتى المساومة، وبالتالي كانت ردود الفعل الشعبية القطرية تجاه الأزمة تثق في بيانات المملكة والدول المقاطعة أكثر من ثقتها في قناة الجزيرة أو المحسوبين على النظام الحاكم؛ لأنهم بعد المقاطعة -وليس الحصار- عرفوا أنهم ضحية نظام يدعم الإرهاب، ويساهم في قتل الأبرياء. مرّت الأزمة القطرية إلى الآن بمرحلتين الأولى (التهيئة) الإعلامية والشعبية، وكذلك تهيئة صانع القرار لاتخاذ مشاوراته وتنسيق مواقفه، والثانية (التصعيد) على كافة المستويات، من خلال قرار المقاطعة وإجراءاته، وقائمة الداعمين للإرهاب، وتعزيز الحملة السياسية خارجياً، والتسريبات الصوتية، والوساطات الدولية، وغيرها، حيث تعد هذه المرحلة أكثر أوقات الأزمات صعوبة وسخونة، وأخطرها في ردات الفعل، ويتبقى مرحلة أخيرة من عمر هذه الأزمة، وهي (المواجهة)، وتعني باختصار تبقى قطر ويرحل تميم، وأي حل آخر للأزمة سيعيدنا إلى المربع الأول؛ لأن تميم لا يحكم قطر وإنما والده، وهنا الكارثة.