وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    بالله نحسدك على ايش؟!    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالح الحصيّن.. العالم الزاهد
نشر في الرياض يوم 15 - 12 - 2017

الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصيِّن الناصري التميمي، ولد في شقراء سنة 1351ه 1932م، ثم انتقل للدراسة بدار التوحيد بالطائف ومكث فيها من عام 1366 إلى عام 1370ه حيث درس على الشيخ عبدالله بن صالح الخليفي عندما كان رئيسها الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، وذكر في مقدمة كتاب الأعمال الكاملة الشيخ صالح أنه تلَّقى العلم على يد إمامين من أئمة المسجد النبوي الشريف، الشيخ عبدالمجيد حسن جبرتي الذي ولد ونشأ في الحبشة، وكان شافعياً، والشيخ محمد ثاني علي، الذي ولد ونشأ في نيجيريا وكان مالكياً، وعلى يد أحد أئمة الحرم المكي وهو الشيخ محمد أمين فودة. وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ اسحق كردي، وتخرج من كلية الشريعة سنة 1374ه 1955م، وحصل على المركز الأول، وبرغم توفر الوظائف وكثرتها بالنسبة لمن يحصل على ما حصل عليه، إلا أنه انصرف عنها وذهب إلى مصر، والتحق بمعهد الدراسات العربية العالية، ودرس على الأستاذ عبدالرزاق السنهوري (أبو القانون) الذي كان له دور بارز في افتتاح ذلك المعهد، فحصل على درجة الماجستير سنة 1380ه/ 1960م، كما درس اللغتين الإنجليزية والفرنسية وألمَّ بهما، وسافر إلى باريس لإكمال دراسته العليا لولا أنه رجع بعد عام للعناية بوالدته. وقد بدأ حياته العملية بالتدريس، ثم أصبح مستشاراً قانونياً في وزارة المالية، فرئيساً لهيئة التأديب سنة 1390ه/ 1970م. وبعد ذلك أصبح وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، ورئيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، كما كان عضواً في المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد، كما عُين الشيخ عضوًا في مجالس خمس جامعات بالمملكة، ومشرفاً على هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ثم أحيل إلى التقاعد عام 1395ه، إلى أن عُين رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير في ذي الحجة عام 1422.مؤلفاته
من مؤلفات الشيخ صالح الحصين (خاطرات حول المصرفيّة الإسلاميّة)، والتي بيّن فيها أنّ ما يسمّى المصارف الإسلاميّة أخفقت في تحقيق غايتها في القضاء على الرّبا، بل هي في الحقيقة قد ثبّتَتْه وضمنت بقاءه بتحايلها على الرّبا‎، وكتاب العلاقات الدولية بين منهج الاسلام ومنهج الحضارات المعاصرة، وكتاب الأقليات المسلمة في مواجهة فوبيا الإسلام، وكتاب محمد أسد في الطريق إلى مكة، ووصايا للنبيّ صلى الله عليه وسلّم في المئة يوم الأخيرة من حياته الشريفة، وتضمن 15 وصية، وكتاب التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، رؤى تأصيلية في طريق الحرية، ثم عدد من البحوث والدراسات منها "تجربتي في الحوار مع الآخر"، "هل للتأليف الشرعي حق مالي"، "هل في المملكة العربية السعودية حرية دينية"، "في ذكرى أفظع جريمة إرهابية"، "الافتراش في المشاعر"، "التواصل بين الحجاج"، "تعليق عن الاستدامة البيئية"، "الهيئات الشرعية الواقع وطريق التحول لمستقبل أفضل"، وهناك بحوث ومقالات ولقاءات ومحاضرات متاحة على شبكة الإنترنت، وقد جمع المحقق رائد السمهوري أعمال الشيخ في كتاب واحد أسماه "الأعمال الكاملة لفضيلة الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين".
المصرفية الإسلامية
أبرز موقع جائزة الملك فيصل أن الشيخ صالح الحصين ظل مساهماً بنشاط كبير في مجال المصرفية الإسلامية، وذلك من خلال كتابة المقالات وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات في محاولة منه لتصحيح مسار المصارف الإسلامية، ومقاومة انحرافها عن وظيفتها الأساسية حسب ما رأى، وهي التعامل بالنقود لا في النقود، كما رسمها المنظرون الأولون للمصرفية الإسلامية، ولكي تحقق المبادئ القرآنية للتعامل في المال بأن يكون قياماً للناس، وأن لا يكون دولة بين الأغنياء منهم، وألا يُظلم فيه الناس ولا يظلمون، كما أن للشيخ الحصيِّن دوراً مهماً في دعم التعليم، فقد كان عضواً في المجالس العليا لعدة جامعات سعودية كما ذكرنا، وعرف عن الشيخ بالإضافة إلى علمه الشرعي الغزير، وعمق فكره الحصيف، والتفاني في عمل الخير، الزهد عن متاع الدنيا، وحُسن الدعوة إلى الله؛ متواضعاً في تعامله مع الآخرين، محبباً إليهم‎، وفي مجال الدعوة له دور لا ينكر في التنبيه على التمسك بالتعاليم الإسلامية المبنية على الحق والعدل والمساواة، والدعوة للوسطية في الإسلام، وحسن التعايش بين المسلمين وغيرهم ولا يخفى دوره المحمود في أعمال البر، كما شارك في تأسيس عدد من المؤسسات الخيرية الإنسانية وإدارتها، ومنها‎:‎ جمعية المدينة المنورة للخدمات الاجتماعية، ومؤسسة المستودع الخيري بالمدينة المنورة، الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي عُرفت بنشاطها الكبير في مجال العمل الإنساني العالمي.
ومُنح الشيخ صالح الحصين جائزة الملك فيصل العالمية لعام‎ 1426ه/ 2006م، في دورتها التاسعة والعشرين، مناصفة مع الشيخ يوسف الحجي من دولة الكويت الشقيقة، تقديراً لدوره في إبراز صورة الإسلام الصحيحة، وإسهامه الفكري في تصحيح مسار المصارف الإسلامية بما يوافق أحكام الشريعة ويجاري التطور في مجال الاقتصاد، إضافة إلى كونه مثلاً أعلى في تعامل المسلم، في التواضع وكرم الخلق‎.‎
شخصيات عائلته
كان الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الحصين قاضياً في شقراء من قِبل شيخه الإمام محمد بن عبدالوهاب، والإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود، فانتقلت الأسرة بانتقاله من القرائن إلى شقراء، واستقروا فيها، ولعل الموقف المشرّف للشيخ الحصين "الجد" مع قائد الحملة التركية إبراهيم باشا مشهور ومعروف في كتب التاريخ، وكان للشيخ صالح الحصين من الأخوة الشيخ سعد الحصين، ووزير المياه والكهرباء الأسبق المهندس عبدالله الحصين، ومن العلماء من أسرته كذلك الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد الحصين، وهو الجد الرابع للشيخ، والشيخ الوالد عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصين، وغيرهم، وقد ترجم الشيخ عبدالله البسام في كتابه "علماء نجد خلال ثمانية قرون" لعدد من أفراد أسرة الشيخ الحصين، في أجزاء كتابه أرقام 3 و4 و5، وكذلك حمد الجاسر في كتابه سوانح الذكريات، في جزئه الثاني، كما ذكر الباحث بدر بن شاهين الذوادي.
إعفاؤه من رئاسة شؤون الحرمين
في العام 1433 ه ونظراً لحالته الصحية، استجاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -رحمه الله-، لرغبته في ترك الإشراف على شؤون الحرمين الشريفين، والتفرغ للعبادة والدعوة والدراسات، إضافة إلى كونه عضوًا بهيئة كبار العلماء، وكان قد سبق واختاره الملك عبدالله، عندما كان ولياً للعهد، رئيساً لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، عام 1424ه وقد عقد المركز إبان رئاسته 5 لقاءات وطنية للحوار الفكري، كان آخرها بعنوان "نحن والآخر"، وأقيم في مدينة أبها.
اهتمامه بالعمل الخيري
كان الشيخ مهتماً بالعمل الخيري والإنساني داخلياً وخارجياً، ولديه مشاركة فاعلة فيه، خاصة من خلال رئاسة مجلس مؤسسة الوقف الإسلامي، ويعد الشيخ من أكثر المساندين للعمل الوقفي والحرص على تصحيح مسيرته وتحسين أدائه، كما تولى الشيخ رئاسة عدة جمعيات خيرية وهيئات شرعية منها رئيس جمعية هدية الحاج والمعتمر الخيرية، ورئيس الجمعية الخيرية الصحية لرعاية المرضى "عناية"، ورئيس الهيئة الشرعية في قناة المجد الفضائية، توقف عن العمل الحكومي لمدة 20 عاماً تقريباً، ثم عاد لمزاولة العمل الحكومي بعد تكليفه بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عام 1422ه.
ويوضح د. سعدالعتيبي في مقالات له بعنوان "صالح الحصين المفكّر الإسلامي الحقوقي المصلح"، كيف أن الشيخ تعمّق في دراسة كثير من المفاهيم والمصطلحات والمشكلات، ما جعله يكشف عن رأيه مهما كان الرأي المخالف له، كما أن وضوح الفكر الإسلامي وشموليته لديه، جعلته مستحقاً وصف المفكر الإسلامي، أو الشخصية الكفء التي تتبنى مصادر الإسلام وتنطلق منها؛ وظهر ذلك جلياً في قوته دفاعًا عن الإسلام، وفي تعبيره عنه، كما ورده من مصادره، فهو يتحدّث عن الإسلام حديث المؤمن المعتزّ به، لا حديث المتذبذب المعتذر عنه، وأشار العتيبي أيضاً إلى أن قوّة الحجّة لدى الشيخ مكنته من ردّ الشبهات وتفنيد المغالطات، فهو ذو علم وفقه وسعة ثقافة وعمق خبرة، قلما تتوفر في شخص واحد، وأن الشيخ رحمه الله، أكد غير مرة، أهمية الردّ بالحجج القوية، وخطورة الاعتماد على الردود التبريرية الضعيفة، خاصة إذا خالفت الحقيقة، حيث يقول رحمه الله: "إن استعمال حجج ضعيفة هو أسوأ من عدم إيراد أي حجج مطلقاً، فوق أنه تشويه للحقائق على أرض الواقع".
بحوث اقتصادية متميزة
كان الشيخ أبرز وأنشط مَن عمل بصحيفة "الرياض" في أول نشأتها مع ناصر المنقور والتي أنشأها المؤرخ حمد الجاسر، حيث كانت تطبع بمصر، وله بحوث رصينة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقدرته على استيعاب تطورات الاقتصاد العالمي الحديث، واكتسب المعرفة في الاقتصاد من خلال اهتماماته الشخصية وقراءاته الذاتية، وأسهم بخبراته القانونية في تأسيس صندوق التنمية العقاري لنظرته الاقتصادية الصائبة، وتولى رئاسة مجلس إدارة الصندوق.
رثاء العلماء له
ذكر عدد ممن عاشوا مع الشيخ وتعاملوا معه مناقبه وخصاله العديدة، فيقول عنه الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي: إن الشيخ صالح الحصين واحد من أبزر علماء الأمة، الذي شارك في أغلب مؤتمرات الرابطة بعلمه وفكره وحنكته وجهده، وكان يثري تلك المؤتمرات بما لديه من علم، كما وصف الدكتور راشد الراجح وفاة الشيخ الحصين بالفاجعة؛ فهو الرجل الذي خدم الدين والوطن، وكان من خيرة الرجال وأنصحهم وأصدقهم وأقومهم وأنقاهم، فقد عمل معه عن قرب في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومكثا فيه 10 أعوام في خدمته، فلم يصدر منه ما يكدر الصفو، وقال عنه الدكتور عبدالله فدعق: "عرفت فيه الأصالة مع المعاصرة، والصمت الحكيم، وتقدير الناس، والزهد الحقيقي"، وأكد المهندس عبدالعزيز حنفي أن الشيخ صالح الحصين يسبق عمله حديثه، إضافة إلى تواضعه وزهده وحب الناس له. ويرى الأمين العام للمركز فيصل بن معمر، أن الشيخ الحصين رجل مختلف، العمل الخيري والاجتماعي والإنساني لديه أكثر متعة من العمل الرسمي، وقلة هم أمثاله في سلوكه وقناعاته، فقد أسس -رحمه الله- مدرسة في نكران الذات، حتى أجمع الأغلبية على أنه شخصية تستحق الاحترام من أبناء هذا الوطن.
سيرة والده
رصد أستاذ التاريخ الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميد ملامح من حياة الشيخ صالح الحصين، وآراء شخصيات عديدة فيه، والجديد هو ما ذكره عن والده -رحمه الله-، الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصين المولود في شقراء عام 1306ه، حيث نشأ فيها وقرأ على علمائها، ثم عُين رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف في شقراء، وكان له أعمال في الخير، يتلمس حاجة المحتاجين والأرامل والأيتام، ويجهز الأموات، لذا لقب بأبي الفقراء، مع ما اتصف به من طاعة وعبادة وبشاشة وكرم وسماحة نفس، وانتقل الوالد لاحقاً إلى الرياض، ثم إلى المدينة المنورة وهناك تفرغ للعبادة والمجاورة في المدينة المنورة، توفي -رحمه الله- في شعبان عام 1386ه ودفن في البقيع، وله أبناء فضلاء منهم الشيخ صالح الحصين.
وينقل الدكتور عبداللطيف الحميد ما قاله الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن الشيخ من أنه يلم بالإنجليزية والفرنسية، وأنه عُرف بغزارة علمه ومعلوماته، وبالفكر المتزن المستنير، وبالاجتهاد والزهد بعيداً عن مغريات الدنيا، ويذكر الشبيلي أن المشاركين في ندوات الحوار الفكري ذكروا أنه كان من طبع الشيخ الجنوح إلى الصمت، مغلباً أن يحتفظ بآرائه ليبديها عند الطلب، وأن من عادته تلطيف مداخلاته بالطرف والأمثال، ومراعاة توجه الأغلبية في الاجتماعات الإدارية التي يحضرها‎، كما أنه رجل دقيق في مواعيده، حريص على حضور الاجتماعات أينما كانت، وكثيراً ما يسافر ويعود في نفس اليوم إذا ذهب للمشاركة في اجتماع ما، ويتنقل بالدرجة السياحية، ولا يرغب في تكليف أحد بأن يرافقه أو يخدمه أو يستقبله لقد كان مدرسة لتعليم نكران الذات، في وقت طغى فيه الكبرياء وعظمة الإنجازات الشخصية‎.
رأي في الزهد
سئل الشيخ الحصين عما يراه الناس من تعارض بين التحبب إلى الزهد، ودعوة الله عباده إلى إظهار النعمة، فأجاب: بأنه ليس هناك تعارض، مذكراً بقول ابن تيمية عن زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاكر لنعم ربه: "لا يرد موجوداً، ولا يطلب مفقوداً". فبهذه المعادلة يزن الإنسان بين زهده وشكره‎، كما أن الإنسان الرشيد يستهلك من أمواله ما يحتاج، ثم ينفق ما بقي لمستقبله الذي أمامه، ليس مستقبل الدنيا فحسب بل الآخرة أيضاً، وتقديراً للشيخ وإنجازاته أعلن فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني اعتزام المركز إطلاق مشروع توثيقي يرصد الإنجازات الكبيرة التي حققها الشيخ صالح الحصين رئيس اللجنة الرئاسية للمركز، بهدف التعريف بجهود الفقيد في مجال تأسيس المركز ونجاح الدور المطلوب منه.
بيت الشيخ
يروي الكاتب زياد الدريس ممثل المملكة لدى اليونسكو من 2006 - 2016م موقفاً حدث مع الشيخ عندما قابله بعد خروجه من صلاة العشاء في الحرم المكي جهة باب الملك عبدالعزيز، فسلم عليه وأمسك بيد الشيخ فأمسك الشيخ بيده، وسلكا طريقاً جنوباً باتجاه أجياد ثم ارتفعا إلى اليسار جهة جبل المصافي، وسارا يمنة ويسرة في ارتفاع الجبل ودخلا في حارة يقطنها البخاريون، وأخبره الشيخ أنه معتاد على الذهاب والإياب في هذا الطريق الوعر المتعرج الذي تتسرب المياه في وسطه، ثم وصلا إلى باب العمارة أعلى الجبل التي فيها شقة الشيخ، حيث ذهل الدريس من زهد الشيخ في الدنيا، فهو الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي - ويسكن في أعلى جبل شاهق، على بعد أكثر من نصف الكيلو متر عن الحرم وفي حارة شعبية، ولم ير الكاتب ذلك إلا إمعانًا في الزهد وطلبًا للثواب‎.‎
وذكر الدكتور محمد بن فهد الفريح أن الشيخ صالح الحصين من أعلم الناس بالأنظمة والقانون بل كان يُعدُّ الرجل الثالث في العالم العربي والإسلامي من هذه الجهة بعد السنهوري ومحمد يونس من بنغلادش الذي حصل على جائزة نوبل، بل يرى البعض أن الشيخ -رحمه الله- قد فاق أستاذه السنهوري، كما يفهم ذلك مما أورده الشيخ في استدراكه على أستاذه في خاطرات حول المصرفية الإسلامية، وكان للشيخ اجتهاد في وضع بعض الأنظمة كنظام الصندوق العقاري، كما كان العضو الأبرز في المشاركة في وضع أكثر الأنظمة في ذلك الوقت‎.‎
وأخبر الشيخ صالح في كتابه "خاطرات حول المصرفية الإسلامية"، بأنه تتلمذ على السنهوري لمدة سنتين في مادة الفقه المقارن، وتلقى عنه دروسه التي كان يلقيها، واشترك في الجلسة الأسبوعية التي ظل السنهوري يعقدها طوال تلك المدة باسم حلقة بحث، ويقصر حضورها على بضعة طلاب لبحث موضوعات في الفقه المقارن بطريق المناقشة الحرة.
الوظائف الحكومية
بعد رجوعه من دراسة الماجستير في مصر عمل مستشاراً قانونياً في وزارة المالية، بعد أن ألح عليه بعض زملائه وأخذوا ملفه وقدموه، وقد ذكر الشيخ أن كل الوظائف التي تقلدها وعيّن فيها كانت مبادرةً لم يسع إليها، وبها من الإلحاح الأدبي الكثير، بداية من أخذه من مقاعد الدراسة بكلية الشريعة ليكون مدرساً في المعهد العلمي، حتى منصب وزير في عهد الملك فيصل -رحمه الله-، كلها كانت دون إرادته ورغبته، وكان يحاول في التخلص من منصب الوزير طيلة 3 سنوات، حتى تشفع بالأمير مساعد بن عبدالرحمن -رحمه الله- فأعفي بعد ذلك‎، وكان مخلصاً وناصحاً -رحمه الله- لدينه وولاة أمره وللمسلمين. قال مرة للدكتور الفريح: "إني لا أدعو لهذه الدولة وولاة أمرها في كل صلاة بل أدعو لهم في كل سجدة من سجدات صلاتي"‎ .‎
الشفاعة لأصحاب الحاجة
كان -رحمه الله- يشفع لكل أحد، بل كان يشفع لأفراد وجماعات مع علمه أن بعضهم يستغلّه، لكن الحياء جعله لا يرد أحداً فلا يُحصى عدد الشفاعات التي كتبها‎ ،ويلاحظ أنه مع ذلك لم يشفع لأقاربه الأقربين شفاعة في أمور طلب الوظائف أوغيرها من الأمور، بل لم يكتب طلباً لنفسه أو طلباً لأي من أقاربه، وكان يذكر مقولة ابن تيمية -رحمه الله-، كقاعدة ونظام للأفراد والجماعة والدول لا يجوز الإخلال به وهي:(العدل واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال والظلم لا يباح شيء منه بحال).
وفاته
للشيخ صالح الحصين أربع بنات وابن واحد، هو الدكتور عبدالله الذي يعمل أستاذاً في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود‎.‎
في يوم السبت الموافق 24 /6 / 1434ه نعى الديوان الملكي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي سابقاً عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الرئاسي لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي توفي بعد معاناة مع المرض، عن عمر ناهز 82 سنة، وأديت الصلاة عليه عقب صلاة عصر اليوم التالي بجامع الراجحي بالرياض، حيث كان الشيخ الحصين قد دخل العناية المركزة بمستشفى الحرس الوطني بعد تدهور حالته الصحية. وأمَّ المصلين عليه سماحة الشيخ صالح اللحيدان، وأدى الصلاة عليه جمع من المصلين.. رحم الله الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصيّن رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته.
أثرى الحصين -رحمه الله- المكتبات بمؤلفاته القيمة التي تحمل فكره وعلمه الواسع
الشيخ صالح الحصين - رحمه الله -
كان الفقيد مدرسة في التواضع مع الجميع
شارك الفقيد في العديد من المناشط وأسهم في وضع الكثير من الأنظمة
منصور العساف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.