أعادت الخطيئة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل -التي تشبه المسمار الأخير في نعش عملية السلام في الشرق الأوسط ومعها أي أمل في استقرار وأمن المنطقة- القضية الفلسطينية إلى الواجهة الإعلامية والمنابر الثقافية، بعد تراجع الاهتمام الإعلامي العربي والإسلامي، الذي توقف مع قطار المفاوضات بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال نتيجة إصرار الطرف الإسرائيلي على فرض إرادته التي تصادر حقوق شعب كامل بالعيش بسلام، والسيادة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف. القضية الفلسطينية ومنذ وعد بلفور المشؤوم وحتى يومنا هذا كانت هي القضية الأساسية للأمتين العربية والإسلامية، فرغم الأخطاء التي ارتكبت في تعاطي العرب والمسلمين معها إلا أنها ظلت الأولى في الوجدان العربي والخطاب الإسلامي، ورغم تعاقب الأجيال التي ورثت الإيمان بعدالتها ومشروعيتها إلا أنها بقيت الحرف الثابت على اللسان العربي بمستوييه الرسمي والشعبي. هذه الحقائق رغم ما تخلقه من انطباع رائع عن وحدة الهدف والمصير إلا أن مبدأ التعامل الكلي الذي اعتادت دول العالم الثالث على العيش في مداراته جعل من القضية الفلسطينية مشجباً تعلق عليه كل إخفاقاتها وثوراتها والمؤامرات التي تحاك من قبل من نعتبر أنهم الأشقاء قبل الأعداء، فتحت شعار الدفاع عن القضية حدثت عشرات الانقلابات والتصفيات، ورفعت أعلام فسلطين زوراً فوق رؤوس القتلة ولصوص الشعوب، وأمام صورة الأقصى فتحت بهتاناً دكاكين الصحافة والإعلام للنيل من الدول والشعوب، وهكذا تحولت القضية من قضية عادلة إلى وسيلة للوصول إلى كراسي الحكم ومبرر للخيانات والمغامرات التي أغرقت الأمة في وحل الاقتتال والتنازع والفوضى التي أعادتها قروناً إلى الخلف. ما حدث بعد قرار الرئيس الأميركي نقل سفارة بلاده إلى القدس جاء في ذات السياق المعتاد، فبدلاً من تنسيق المواقف وتوحيد الصفوف تفرغ المحتقنون وتبرع تجار القضية المزعومون للنيل من الداعمين الرئيسيين للشعب الفلسطيني، في محاولة لطمس الواقع والعزف على وتر التدليس لقيادة قطيع جديد يتبع من سبقوهم في طوابير الإساءة للشرفاء، تاركين خلفهم من يضع الحجر الأساس لسفارة أجنبية لدى دولة محتلة على أرض عاصمة عربية، ومعها فيالق إيران وأذنابها التي رفعت شعار الموت لإسرائيل لتبرير قتلها لأطفال سورية واليمن، وإشاعة الفوضى والخراب على أرض العرب والمسلمين.