منذ نحو ثلاثة مواسم لم يكن النصر أكثر إبهاراً وتألقاً كما هو الآن، على الصعيد الفني والتكتيكي والتنظيم العناصري داخل الميدان، متوجاً ذلك بالحضور في واجهة المنافسة، والترشيحات القوية لحصد لقب الدوري، بعد مواسم من الضياع والتشتت بين مدرب راحل وآخر قادم، واتهامات معلنة لإدارة الفريق، بالتأثير على الأجهزة الفنية المتعاقبة، ما جعل الفريق يدور في حلقة مفرغة، على الرغم من امتلاكه عناصر مميزة في الخطوط والمراكز كافة، تنتظر فقط صياغة جديدة وهوية فنية واضحة، تسبر أغوار البطولات. ولم يكن توقيع إدارة النصر مع الأرجنتيني كوستافو كونتيروس بسيرته الذاتية المتميزة، وخبراته المتراكمة لمدة موسمين، سوى اعتراف صريح بالرغبة الجادة في الاستقرار الفني، بعد رحلة من المتاعب والتخبطات السابقة، خصوصاً في ملف المدرب المناسب لقيادة العمل الفني واللياقي المترهل في الفريق، وهو ما وجد عليه النصر الجهاز الفني الجديد فور حضوره بديلاً للجهاز البرازيلي السابق، ولأن الوقت لم يسعف البديل كونتيروس كان معسكر "جبل علي" في الإمارات، فرصة متاحة لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق، وتخفيف ضغوط التفريط في النقاط مع مستهل الدوري، فجاءت أيام توقف الدوري الماضية، وقرار المعسكر الناجح، لتمنح الجهاز الفني الجديد، وقتاً أطول للتعرف على عناصر الفريق، ورسم منهجية واضحة تعيد هيبة النصر، بعد طول انتظار جماهيري. نتائج معسكر "جبل علي" ظهرت بسرعة فائقة بحصد العلامة الكاملة في ثلاث مواجهات متتالية، وهو مالم ينجح فيه النصر منذ تحقيقه لقب الدوري 2015 للموسم الثاني على التوالي، قبل أن يتوارى طويلاً وهو ما حفز المدرج النصراوي للحضور، ودعم عناصر الفريق بثوبه الجديد، بعد أن اتضحت بصمات المدرب الجديد على التكتيك الأصفر، بسرعة تناقل الكرة، واللعب من لمسة واحدة وترابط الخطوط، والهجوم المنظم، على الرغم من بقاء معضلة إهدار الفرص المحققة أمام مرمى المنافسين، إلا أن الفريق سجل تسعة أهداف مقابل استقباله هدفاً واحداً مع التنظيم الدفاعي الجيد، الذي ظهر على الفريق بشكل لافت في الجولات الثلاث الماضية. الهدوء الإداري الذي خيم على المشهد النصراوي في هذا الوقت حتى مع توالي الانتصارات، وتعافي الفريق، ساهم في تفريغ الجهاز الفني لأداء مهامه من دون ضغوط، وكل ما يحتاجه هو المزيد من الهدوء والعمل المتواصل داخل الملعب، ثم انتظار النتائج المثمرة بعد استعادة الثقة بين الفريق ومدرجاته، التي غابت كثيراً عن دعم الفريق، امتعاضاً من أوضاعه السابقة، لتظل مهمة الإدارة الأولى هي تخفيف وطأة الديون المتراكمة، التي حرمت النصر من الحصول على الرخصة الآسيوية هذا الموسم، وعدها الكثير من محبي النصر برب ضارة نافعة، نحو استقرار الفريق هذا الموسم مع جهازه الفني الجديد، والتركيز على استعادة أنفاسه في البطولات المحلية، قبل العودة في موسم مقبل نحو المعترك القاري الأصعب. حضور النصر في واجهة المنافسة على لقب الدوري إلى جانب الهلال والأهلي، سيعيد معه بكل تأكيد الإثارة والتحدي لمباريات الدوري، في منافسة شريفة بدون منغصات، مع تواجد الحكام الأجانب، واختفاء التصريحات الإدارية المثيرة، من إداريي الأندية جلها، ما ينبىء بموسم فني استثنائي، ستعود نتائجه إيجاباً على الكرة السعودية ككل، دعماً لحضور مميز للمنتخب السعودي في مونديال روسيا المقبل، ووسط بيئة كروية محفزة، وأجواء تنافسية صحية، تزيد من المتعة الكروية، التي تنتظرها جماهير الدوري السعودي في الداخل والخارج، لتثبت قوة الدوري وحضوره اللافت على الصعيد العربي والأقليمي.