في البداية أود التحدث عن الغلاف وعنوان الرواية فهما المظهر الخارجي للعمل الأدبي وفي كثير من الأحيان يكون هو مفتاح الإغراء الذي يفتح للقارئ شهيته لتصفح كتاب ما. ما حصل معي حقيقة ان العنوان " مجنون ليلى اليهودية" قد حرك في داخلي حالة من الفضول للولوج الى عالم الرواية المجهول والتعرف على (ليلى) جديدة غير تلك التي تعرفنا عليها في أدبياتنا العريقة "حكاية ليلى ومجنونها قيس". منذ بداية السطور الأولى للرواية استطاع الكاتب أن ينقلنا من الواقع الى عالمه السحري لننطلق مع شخوص الرواية في رحلة غير مسبوقة ملأى بالتفاصيل والأحداث.. الشخصية الرئيسية في هذه الرواية هو "شاكر" طالب الدراسات العليا السعودي الجنسية الذي استطاع الكاتب نقلنا للعيش معه في تفاصيل حياته اليومية ورحلته في الغربة. لم تكن التفاصيل مملة على غرار بعض الروايات التي يكون الاسهاب فيها مملاً. كانت للتفاصيل هنا نكهة جعلت الرواية أكثر واقعية. أعجبتني جملة قالها بطل الرواية "شاكر" انا أعيش معكم بذاكرتين في آن واحد: ذاكرة ماضيكم الذي ولى وذهب بحلوه ومره ولم يتبق منه سوى بكاء شعرائكم المعتوهين على الأطلال، وذاكرة حاضركم البائس" هذه الجملة تجلت بوضوح في المشاهد التي كان يتنقل بينها البطل بين زمانين. وهذا يحبس انفاس القارئ الذي يجد نفسه مرة في الماضي من خلال أحداث تاريخية سابقة، ثم لا يلبث ان يعيده البطل ليعيش معه تفاصيل معتاده اليومي. عشنا من خلال الأحداث صراعا داخليا وخارجيا استطاع الكاتب ان يعبر عنه بحرفية وواقعية بين البطل وذاته وعالمه المليء بالمتغيرات المتسارعة والشخوص المختلفة وما تفرضه الغربة من سلوكيات. صراع بين ما هو مقتنع به داخليا وما يفرضه الواقع ويتعايش معه. سيلاحظ القارئ مقدرة الكاتب الفائقة على وصف بعض الأحداث التاريخية المشهورة بطريقة سلسة مختصرة لكنها مكتملة الفكرة والعناصر فكانت بمثابة جرعات ثقافية مركزة تضيف للقارئ الكثير من المعلومات. أشار في أكثر من مكان في الرواية الى سبب ما وصلت اليه امتنا العربية، بنقد ذاتي موضوعي، ومسؤوليتنا كعرب عما يحدث، بما يبين مدى انتماء الكاتب الى هويته العربية وحمله لهم امته. استوقفتني شخصية" أبي دلف العجلي" التي أعتقد بأنها شخصية تمثل العقل الباطن لبطل الرواية.لأنها لم تشارك بصنع الأحداث لكنها كانت تطل علينا من بين سطور الرواية في لحظات تأمل بطل الرواية، ومن خلالها كان يعرب عن حقيقة مشاعره وما يؤمن به ويتمناه في عقله الباطن. فكرة رسالة الماجستير لبطل الرواية في مجال "الأمثال الشعبية" أعطت للقارئ الفرصة الكافية للاطلاع على عدد من الأمثال الشعبية المتداولة التي يأتي بعضها على هيئة أبيات شعرية مشهورة. تناول الكاتب تاريخ اليهود العرب قبل هجرتهم الى فلسطين وذكر العديد من المعلومات والإحصائيات المهمة موضحا ان الصهيونية استغلت اليهود العرب الذين غادروا بلدانهم العربية بإغراءات من أجل بناء كيانهم الوهمي. الرواية كشفت الكثير مما تراكم في ذات الكاتب فانثالت حروفاً حملت الكثير من الرسائل والحقائق المهمة منها: اننا كمجتمع عربي واسلامي نمتلك نواصي المجتمع الحضاري والناجح لو تمسكنا بقيمنا ومبادئنا واتبعنا ديننا الذي وفر لنا أسس بناء مجتمع مثالي ناجح. وان صراعنا مع الاسرائيليين ليس صراعا على أساس ديني لأن ديننا دين تسامح وتعايش مع كل الديانات. ورسالة ثالثة تؤكد ان الحب لا يعترف بفروقات في الدين او العرق لكنه يصطدم بحواجز نفسية بسبب الصراعات والحروب التي تطغى على الجوانب الإنسانية. وكذلك الغربة "الحضن" الذي يجمعنا مع آخرين يختلفون معنا في اللهجة والعادات والتقاليد وربما الدين على اسس إنسانية بحتة وهي تجربة انسانية رائعة تثري شخصيتنا وتجعلنا أكثر انفتاحاً على الثقافات الأخرى وتقبلاً للاختلافات. في هذه الرواية لم يستغل الكاتب العنوان للإسهاب في أحداث رومانسية هامشية. بل قدم إضاءات على جوانب أكثر أهمية. سيجدَ القارئ نفسه أمام عمل تظهر فيه مقدرة الأديب حمد الرشيدي على تطويع اللغة الروائية التي تحاكي الواقع بديناميكية لافتة، تدير دفة الأحداث برشاقة في الاسلوب مع توافر عنصر التشويق الذي يجعل القارئ يتنقل بين الأماكن والأزمنة ويندمج مع كل عنصر من عناصر الرواية من السطر الأول حتى السطر الأخير. *كاتبة عربية مقيمة في كندا غلاف الرواية