حينما كنّا أطفالاً كنّا نلعب بعض الألعاب الجميلة التي تبث روح الجماعة والفكاهة في آن واحد. كانت إحدى هذه الألعاب هي لعبة تلفون خربان (عطلان). تبدأ هذه اللعبة بأن يجتمع المشاركون ويجلسوا على شكل حلقة ومن ثم يبدأ أول الأطفال بهمس كلمة أو جملة في أذن الطفل الذي بجانبه بشرط ألا يعيدها عليه وألا يختلس السمع أحد من الأطفال الآخرين، وهكذا تدور الجملة متنقلة بين الأطفال حتى تعود إلى صاحبها وهناك يتم التحقق من جودة انتقال الجملة بدون تحريف، وإن شابها شيء من التحريف يتم البحث عن المسؤول عن هذا التحريف وبعدها يصيح عليه الأطفال بأن تلفونه خربان. عندما تكبر في الحياة تجد أن لعبة تلفون خربان متمثلة في حياتنا. على سبيل المثال سعدنا جميعاً برؤية 2030 وخططها واستبشرنا خيراً بأهدافها التي من ضمنها تعزيز المحتوى المحلي. ولعل البعض يسأل ما هو المحتوى المحلي؛ المحتوى المحلي أحد أهدافه أن نعتمد على أنفسنا سواء بالموارد البشرية (السعودة) أو بالإنتاج والتصنيع أو بتوطين الصناعات واستقطابها داخل المملكة. وهذا الشيء سيقفز بالنهضة في وطننا وسنتحول من دولة تعتمد على الغير إلى دولة قادرة على الاعتماد على نفسها. لن أتكلم هنا عن الإحصاءات والأرقام التي سوف توثق فوائد وثمار فكرة المحتوى المحلي، ولن أفصل كثيراً عن المبادرات التي تم اعتمادها لخدمة هذا المفهوم والتي منها العمل على تطوير نظام المشتريات لدعم المحتوى المحلي، وكذلك إنشاء شركة صناعات عسكرية أو الشركات الأخرى التي تم تأسيسها لتطوير المحتوى المحلي. إنما سوف أسلط الضوء عن كيف يتم اتخاذ قرارات حكيمة من الجهات العليا ولكنها حين تنتقل وتصل هذه القرارات إلى المستوى الأخير وهو التنفيذ، نجد أن هذه القرارات انحرفت عن هدفها الأصلي ربما بنية طيبة أو أن الفكرة لم تصل إلى الشخص المنفذ بالصورة الكاملة أو الواضحة. والناتج أنه بدل من أن تسعى بعض الشركات المنشأة تحت مظلة الرؤية إلى تطوير المحتوى المحلي كهدف رئيسي لنشاطها فهي تسعى إلى الربح السريع أكثر وكأن الهدف الرئيسي من إنشائها هو الربح وليس التطوير المحلي. فأصبحت هذه الشركات تستقطب المنتجات من خارج الدولة وتقوم ببيعها بدلاً من شراء ملكية حقوقها لتطويرها أو إنتاج بدائل محلياً وبيعها سواء داخل وطننا أو المنافسة بهذه المنتجات عالمياً، بالإضافة إلى استقطاب الموارد البشرية بدلاً من تطوير أبناء الوطن وذلك لهدف تقليل التكاليف وأصبح هدف هذه الشركات يشبه إلى حد كبير شركات القطاع الخاص والتي تقوم على هدف الربحية فقط ولم تعد هي الشركات التي أنشأتها الدولة لتدعم تحد أهدافها وهو تطوير الناتج المحلي. هنا أتمنى أن نبحث عن صاحب الهاتف العطلان ونصيح عليه بأن تلفونه خربان لعل وعسى يرجع بنا إلى المسار الصحيح والسعي لتحقيق أهداف الرؤية التي بدأنا فعلاً بقطف ثمارها.