في الوقت الذي يرى فيه البعض ظهور طابع العزلة على المثقفين وغيابهم عن الواقع المحيط بهم اجتماعيا، حتى بات تأثيرهم في اطر محدودة، رغم ما يملكونه من الأسلحة الثقافية الحقيقية التي قد تخدم بشكل أو بآخر مجتمعهم وترتقي به، رأى مثقفون تحدثوا للرياض أن "عزلة المثقف عن مجتمعه"، التي اتهموا بها جزافا هي عزلة حميدة يحتاجها لكي يكتب وينتج. فالمثقف يكتب لجيله وللأجيال اللاحقة من بعده، فإن بقي دوره هامشيا في زمن ما، فسوف يأتي الوقت المناسب ويرجع لنتاجه وليس بالضرورة أن يكون تأثيره في عصره، مؤكدين بأن المثقف الحقيقي يرى المجتمع من منظور خاص عبر ابداعه، ولا شأن لذلك بإحداث تأثير في وقت ما.. "بضاعة كاسدة" وحول هذا قال الروائي براك البلوي : عزلة المثقف الإبداعية ضرورية لكي يكتب وينتج، فهي تفرض نفسها عليه سيما اذا كانت بعيدة عن عزلة التعالي وعزلة البرج العاجي التي يرى من خلالها إنه الأفضل فيمكث في برج عاجي بعيدا عن دائرة التأثير في مجتمعه. مؤكدا بان المثقف العربي يعيش أزمة حقيقية إذا قارنا مكانته بمكانة المثقف الغربي. كون المثقف العربي يجد التسفيه لأفكاره ويفقد القدرة على أداء دوره البناء اجتماعيا او ثقافيا.. بينما في الغرب لهم أدوارهم بل هم من قادة المجتمع كون دورهم له من يقدره على كل المستويات. ويكون المثقف مؤثرا كلما أعطي مكانته الحقيقية، فالمثقف لا يملك من التغيير شيئاً، طالما هناك الرفض من المجتمع لعدم إدراك دوره كمثقف، وإن قلمه يقوم ببث الوعي الفكري في المجتمع، ويتفاعل مع القضايا المختلفة. المثقفون يخاطبون الناس بالعقل، وبالعلم، ويعتمدون على حيثيات موضوعية لا يفهمها معظم الناس، هذه الأمور الجديدة على المجتمع : تتناقض مع كثير مع السائد فتكون النتيجة:ان ترفض، لأن المجتمع اعتاد على المألوف. لذلك فإن المثقفين لا يُلامون، فالعيب في الثقافة التي برمجت الناس على الرفض المطلق لأي فكر طارئ. المثقف لا يملك سوى فكره وقلمه، بضاعته هي الأفكار؛ غير أن صفتها في العالم العربي، أنها بضاعة كاسدة وخاسرة. واشار البلوي إلى أن المثقف يكتب لجيله وللأجيال اللاحقة من بعده، فليس بالضرورة أن يكون تأثيره في عصره. والمثقف جزء من هذا المجتمع فكيف لا يكون نبض مجتمعه، ولكن كل مثقف وأديب يتناول هذا المجتمع واشكالياته من خلال زاويته التي يراها مناسبة، فحينا سيكون قلمه سيالا من خلال مقالة أو رواية أو شعر، بل يفترض انه القلب النابض في جسد أمته. "المثقف الساخط" من جهته قال الأديب محمد ابراهيم يعقوب إن افتراض علاقة بين عزلة المثقف ومحدودية قراء منتج هذا المثقف تبدو لي ملتبسة في البدء .. هناك مثقفون عبر التاريخ كانوا في عزلة هائلة، بل أن البعض كان متمردا على مجتمعه ساخطا عليه ثم بعد ذلك أثّر بشكل أو بآخر عبر مؤلفاته في تغيير هذا المجتمع. وحول قضية تأثير المثقف قال لا أجدها مسألة نوايا مسبقة، على المبدع أن يخلص لفنه، هذا فقط؛ ما سيجعله مؤثرا ربما ليس اليوم لكن بالتأكيد سيحدث هذا في يوم ما، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا. ثم ان فكرة التأثير في الوقت الحاضر لم تعد بيد المثقف وحده، أو حتى النخب الفكرية والثقافية.. لم يعد الامر حصرا عليهم، التأثير الان اصبح سريعا وآنيا ويحدث ضجيجا ولكن سرعان ما يضمحل ولا يلمس عمق قضية ما او أفكار مجتمع ما. مؤكدا بأن المبدع الحقيقي او المثقف الحقيقي يرى المجتمع من منظور خاص عبر ابداعه ، لا شأن لذلك بإحداث تأثير في وقت ما .. هو بإخلاصه لفنه وإبداعه وافكاره يساهم بحصة في تغيير هذا المجتمع والتأثير عليه .. تغيير المجتمعات هو نتاج مشروع تراكمي تقع فيه الفنون والابداع ونقد الأفكار في اول الاولويات لكنها تنضج على نار هادئة، احيانا نار هادئة من التجاهل وعدم الاعتراف بأفكار ما وابداع ما وفن ما .. وحركة المجتمع ترسخ ذلك عبر كل الامكنة وكل الازمنة . محمد ابراهيم يعقوب