حينما وحد المغفور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود المملكة العربية السعودية في العام 1351 ه، كان الكل يحلم أن يخدم وطنه في المجال الذي يراهُ مناسبًا لذلك، ومن أولئك ذلك الطفل اليافع الذي أرسله والده إلى بلدة الزبير بالعراق ليتعلمَ هناك، لإيمانه بأن البلاد مُقبلةٌ على نهضةٍ تعليمية واقتصادية واجتماعية، والحاجةُ ماسةٌ لمن يقومُ على هذه النهضة وبالأخصِ التعليم، فبعثهُ إلى عمه لينهل من التعليم وليعود لخدمة دينه ومليكه ووطنه، وفعلاً يتحقق حلم الوالد والولد، فحينما فُتحت مدرسة الزلفي الأولى في العام 1368 ه، لم يكن فيها من يعلم الرياضيات (الحساب آنذاك) والجغرافيا، فتساءل مديرُ المدرسة الشيخ محمد بن سليمان الذييب رحمة الله عليه، من يستطيع أن يعلم هاتين المادتين؟ فلا طاقةَ لأحدٍ بتدريسهما، فذكروا أن هناك شابًا يدرسُ ببلدة الزبير بالعراق فطلبوا من والده لعلّهُ يستعجله بالمجيء، وفعلاً جاء وتعيّن بالمدرسة في 1- 4 - 1369 ه، فأُسندت له المادتين، وكان من طلابه معالي الشيخ الوالد سليمان بن عثمان الفالح، ومعالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الفالح، ومعالي الشيخ عبدالمحسن البدر، ومعالي الدكتور حمود البدر، ومعالي الشيخ عبدالمحسن المحيسن، والعم الشيخ قاسم بن فالح الفالح، وأحمد الرومي وشقيقه رومي وغيرهم كُثُر، ولا أنسى ذلك اليوم الذي ذهبتُ فيه للمرة الأولى للمدرسة كنتُ خائفًا وجلاً متهيبًُا، فإذا به يأخذُ بيدي إلى المقصف المدرسي ويناولني علبة بسكويت ما زلت أتذوقه إلى يومي هذا، وذهب بي إلى الفصل وأعطاني طبشورة، كان رحمه الله يطبق ما يعرف اليوم بالأسبوع التمهيدي، وبعد انتقال الشيخ محمد الذييب إلى سلك القضاء عُيّن مديرًا للمدرسة بدلاً عنه، إلى أن تقاعد في 1-5 - 1409ه، وأُقيم له حفلٌ تكريمي حضره جُلَّ أهالي الزلفي، وكتب عنه معالي الدكتور حمود البدر مقالاً آنذاك بعنوان "ضرب لو قسمة" (لو بلهجة العراق تعني أو)، وأثنى على تدريسه ومهارته في الحساب حيث لم يكن الطلاب يعرفون جمع الكسور العشرية وغيرها من العمليات الحسابية، لم يكن مديرًا للمدرسة فحسب بل كان بمثابة كاتب العدل يكتبُ الوصايا والعقود وخطابات الأهالي ويصلحُ ذات البين، وذلك لجمال خطه وحسن صياغته، لقد كان رحمه الله متفانيًا في خدمة بلده، كان على رأس المطالبين بفتح المدارس والمعاهد والكليات، عُرف عنه سخاؤه وكرمه، ومن ذلك تبرعه لمدرستين حيثُ لم يوجد مرافقٌ لهما، بالإضافة إلى مدرسةٍ لتحفيظ القرآن، توفي رحمه الله يوم الجمعة الموافق 21 من شهر صفر من عام 1439ه، فصلى عليه الأجداد والآباء والأحفاد، وخرجت الزلفي عن بكرة أبيها تشيعه إلى مثواه الأخير، بقي أولاده يتلقون التعازي في مكان مدفنه أكثر من ساعتين، نوّه خطيبُ الجمعة بأن المتوفى رجلُ التربية والتعليم، التقي النقي، الصالح الذي خدم دينه ومليكه ووطنه، المرحوم بإذن الله تعالى محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملحم، غفر الله له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وجعل ما قدم في ميزان حسناته مكفرًا لسيئاته.