إنه مربي الجيل الأستاذ صالح بن ناصر الصالح، أديب القصيم وشاعرها والبارع في كل فن. ولد المربي الفاضل في عنيزة عام 1322ه، توأماً لشقيقه الأستاذ عبدالمحسن، وقد توفيت والدته وهو في سن السابعة، وبقي في كفالته خالته وكان مع شقيقه عبدالمحسن يترددان على بعض الكتاتيب الموجودة آنذاك وحفظا شيئاً من القرآن الكريم وفي سن الثانية عشرة أخذهما والدهما إلى المجمعة، حيث بدأ هناك حياة جديدة وواصلا تحصيلهما في أحد الكتاتيب، ومكثا هناك حوالي ثلاث سنوات، وبعد وفاة والدهما في عام 1337ه استدعاهما إلى الزبير عمهما حمد العبدالمحسن الصالح، إلا أنهما رفضا وفضلا العودة إلى عنيزة ليكونا بقرب خالتهما الوحيدة، وبعد بضعة أشهر سافر صالح إلى المجمعة لإحضار بعض أغراض والدهما العائدة لهما ومن هناك تم اقناعه بالسفر إلى الزبير لاكمال دراسته، وعند وصوله إلى الزبير التحق بكتاب الشيخ عبدالرحمن أفندي لاجادة الخط وتجويد القرآن وبعض الدروس الأخرى، ولكنه بعد فترة قصيرة انتقل إلي الكويت واكمل الدراسة الابتدائية بالمدرسة المباركية، وفي أواخر عام 1347ه عاد إلى بلدة عنيزة وقرر فتح مدرسة حديثة في بلده وبعد جهود مضنية افتتح الأستاذ صالح مدرسته في أوائل عام 1348ه، وهي أول مدرسة تستحق هذا النعت في ذلك الوقت سواء من ناحية الشكل أو المضمون ليس في عنيزة وحدها وإنما في منطقة نجد كلها بل تعتبر مدرسة الأستاذ صالح الأهلية ثالث مدرسة في المملكة بعد المدرسة الصولتية في مكةالمكرمة ومدارس الفلاح في جدة. لقد بقي في التعليم الابتدائى قرابة العشرين عاماً وفي عام 1377ه تسلم إدارة معهد المعلمين الابتدائي. وفي عام 1382ه عين مشرفاً على التعليم بمدينة عنيزة بعد خمسة وثلاثين عاماً عامرة قضاها في حقل التربية والتعليم كان في أغلبها معلماً ومن خلالها مشرفاً وبعد هذا وذاك أباً رؤوفاً للكبير والصغير لقد بقي وفياً لذلك الشعور الأبوي نحو أبنائه فلم يكن بمقدوره الخروج من سمت المعلم حتى في مكتبه الإداري ولقد تسنى له أن يرى المدارس على اختلافها مبثوثة في حنايا مدينته الصغيرة وكأنما هي «شتلات» تعليمية خرجت كلها من حقله الصغير الذي زرعه على صدرها ذات يوم. وفي يوم 1/7 عام 1392ه قضى آخر يوم في حياته العملية وغادر مكتبه وهو أكثر ما يكون اطمئناناً وفخراً حيث كانت عنيزة آنذاك أكثر المناطق التعليمية اكتفاء بالمدرس الوطني، لقد ترك العمل أخيراً بعد أربعة وأربعين عاماً من الجهاد التربوي الطويل والتجديد التعليمي المتواصل. وفي يوم الاثنين الثالث عشر من شهر جمادى الثانية من عام أربعمائة وألف للهجرة ينطفئ ذلك المشعل المنير ويتوقف ذلك النبض العزيز إثر حادث مؤلم مفاجئ. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفسيح من جناته وجعله نبراساً يهتدي به طلاب العلم ويستنير بسيرته رواد الإصلاح في كل زمان ومكان.