مع كراهية الذل لدى كل الأخلاقيين، وعند كافة الأمم، وخاصة العرب.. إلّا أن التذلل للمحبوب ليس مكروهاً.. بل ربما اعتبره كثيرون كالعطور التي تفوح من القوارير.. والشذى الذي تبوح به الزهور.. فالعاشق يتذلل لمحبوبته لأنها ملكت قلبه وملأت سمعه وبصره.. والنُّقاد العرب يقبلون تذلل الرجل لمحبوبته، ويكرهون تذلل المرأة لمعشوقها، فهم يعتبرون الرجل طالباً والمرأة مطلوبة .. ورغم جهامة النقاد في هذا الحكم نجد بعض الشاعرات العاشقات ضربن بحكم النقاد عرض الحائط، وأعلن التذلل الصريح للمحبوب دون مواربة، مثل لميعة عباس التي تقول : الموت إلاّ يوم غدركْ.. والنار إلاّ نار هجرك.. يا سيدي هذي فتاتك تشتكي لذعات حرك رحماك هذي طفلة أولى بعطفك أو ببرك يا سيدي كيف السبيل إلى سُلُّوْكَ أو لهجرك إن كنت تذنب سيدي فالقلب يأبى غير عذرك كن ما تشاء فإنني لك ما حييت ولا لغيرك وتقول : ما كان ظني سيدي أنا بلا ذنب نُرَدُّ أَنُصَدُّ عنكم مقبلين وليس فينا من يُصَدُّ؟ مولاي، هذي مهجة من حَرِّ ما فيها تُقَدُّ رُحماك لو آسيتها وجميل عطفك لا يُحَدُّ لك في كياني صورة منها حياتي تُسْتَمَدُّ فإذا بدوت لناظري فيا لسِحْرك كيف تبدو؟ وتقول حفصة بنت الحاج : أغار عليك من عيني ومنِّي ومنك ومن زمانك والمكان ولو أنّي خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني ولمليحة الفودري من ديوانها (بقايا كحل من عيون سود): محتاجه ابكي وانا قربك.. سنين محتاجه للصبح الذي في داخلك محتاجه انسى كل درب مشيته من سنين.. والانين محتاجه اغفى في دفا عطرك وانادي لك عصافير الحنين وتسقي ينابيعي ظمى رملك واسافر لك.. واسافر بك..واسافر فيك وانساني واغيب محتاجه لك لان الوله كل الوله دمعة تبى تشتكي المغيب ولأنّ الجفا طفل فقد حضن الوفا ولو اتبعك يمكن تبيع والدنيا مثل الساقيه وجه الجروح الماضيه وانا من دونك اضيع ومع هذا فإن الغالب العام هو تدلل المرأة وتذلل عاشقها، وربما زاد لذة بتدللها إذا لم يجاوز الحدود ويجرح الكرامة، فإن حلاوة الدلال تعني حرارة الإقبال.. ومع أن التذلل للمحبوب والتدلل من الحبيب أكثر عند الرجال منه عند النساء بكثير، إلّا أن بعض الشعراء يتدلل و (يشوف نفسه) ويعتبر أنه هو المطلوب من المحبوبة، ويمثل هؤلاء عمر بن أبي ربيعة في كثير من شعره كقوله: بَيْنَما يَذْكُرْنَني أَبْصَرْنَني دونَ قَيْدِ الميلِ يَعْدو بي الأَغَرْ قالت الكبرى: أتعرفن الفتى؟ قالت الوسطى: نعمْ، هذا عمر قالت الصغرى، وقد تيمتها: قد عرفناهُ، وهل يخفى القمر! وقوله: قومي تصدي له ليبصرنا ثم اغمزيه يا أخت في خفر قالت لها: قد غمزته فأبى ثم اسبطرت تشتد في أثري وقصائده المسرحية كثيرة. مسرحٌ هو بطله ونجمه الساطع الذي تهيم به النساء. لكن المسرحيات من تأليفه هو، وقد انعكس أثره وسطع قمره على نزار قباني ومحسن الهزاني. ويقول أحمد الشرقاوي (وشدا بها طلال مداح): تدلل يا قمر ماشي وغيرك بالحشا ماشي ويكفي نظره ع الماشي ولو حتى بطرف عينك غصوني شافها وردك وصدري يرتوي بوردك فلا تحرمني من ودك وفي قلبي على هونك صبرت اكثر من اللازم وقلبي عندك ملازم ومن حبك ترى لازم يذكر يوم بسنينك ابشكي والأمر عندك فإما طيبك او عندك وبارضي بكل ما عندك مادام الروح بيدينك و: حبيبي في روابي شهار ووادي وج والمثنا وكم فيها لنا اسرار غرام وشوق ما ننسى ليالي الحب.. تهني القلب وكان لينا الزمان يصفا ياخيّ.. ياخيّ.. ياخيّ ياخيّ والله.. حبيبي القرب لي جنّة.. وآية نفحها المبسم وزيادة الدلال تصل للغرور والثقل (ومن تغلّى تخلّى) كما يقول المثل الشعبي. أحمد الشرقاوي مليحة الفودري