أكتب مقال اليوم بروح يملؤها الفأل لجيل عمراني واقتصادي جديد يُمثِّل مستقبل التنمية المستدامة في المملكة، وذلك بعد مشاهدتي للقاء صاحب السمو الملكي ولي العهد –حفظه الله- في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار الذي كشف فيه عن ولادة مدينة "نيوم"، حيث يأتي الإعلان عن هذه المدينة ونحن نمر بمرحلة محورية في تاريخ الوطن من الناحية التنموية والاقتصادية ف"نيوم" تأتي كتجسيد مادي للخطط والرؤى التنموية المستقبلية للمملكة، ولتحمل في طياتها تعبيراً تخطيطياً وعمرانياً عن رؤى تتناسق مع فكر وأولويات هذه المرحلة. وفي واقع الأمر يعتبر تخطيط المدن الجديدة أكثر مرونة من إعادة تخطيط المدن القائمة لتهيئ فرص إمكانية تخطيط وتصميم توجهات المدينة في وقت مبكر، والقدرة على استخدام كافة التقنيات والعلوم التكنولوجية في خدمة تنفيذ تلك المخططات العمرانية، بالإضافة إلى ما تتمتع به فترة التخطيط والتصميم من مرونة عالية في الاستجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. إنَّ مايميز "نيوم" هو الطرح الواضح المستند على أسس علمية تراعي الضوابط والمعايير التي تُمثِّل قاعدة أساسية لنجاح تخطيط وتنفيذ المدن الجديدة، ومنها: وجود مساحة الأرض الكافية لتلبية الحاجة السكانية المخطط لها حالاً ومستقبلاً. وجود القاعدة الاقتصادية التي من شأنها توفير فرص عمل للسكان وتشجعهم على الاستقرار في المدينة الجديدة. وجود موارد مكانية وطبيعية تساعد في بناء المدينة الجديدة. تشجيع الاستثمار واجتذاب العقول المفكرة ورؤوس الأموال الخارجية. لقد كنت ومازلت أنظر للتجربة الكورية في إنشاء المدن الجديدة بعين الإعجاب فقد تميزت كثيراً في القدرة على النجاح في وقت قياسي ولعل مدينة سونغدو التي بُنيت من الصفر لتكون مدينة ذكية ومستدامة في زمن قياسي بدءاً من عام 2005م، خير شاهد على نجاح فكرة المدن الجديدة حيث تعتبر هذه المدينة التي تقع على إحدى الأراضي المستصلحة بالقرب من البحر الأصفر، نموذجاً لأفضل مدينة ذكية في العالم حيث ترتبط كل الأنظمة المعلوماتية في هذه المدينة ببعضها البعض عن طريق منظومات معلوماتية ذكية، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن جميع ماينتج عن المدينة يستفاد منه ويعاد استخدامه فعلى سبيل المثال مخلفات المدينة لا تهدر، ولا يوجد شاحنات لنقلها، إنما تنقل عبر نظام أنابيب ضمن البنية التحتية للمدينة يتصل مباشرة بمحطة تقوم إما بإعادة تدوير المخلفات أو تحول إلى طاقة.. واليوم أتطلع إلى أن تصل "نيوم" إلى ماهو أبعد من ذلك لتصبح بمشيئة الله تعالى أنموذج عالمي يلحقنا بركب المنافسة في ميدان التطور التنموي والاقتصادي المستند على التقنية التكنولوجية. أخيراً إنَّ من الأهمية بمكان التفكير في إنشاء هيئة تنمية المدن الجديدة بحيث تكون مسؤولة عن وضع خطط التطوير والإدارة، ورسم السياسات العامة لأنظمة البناء والتطوير فيها، وتتولى مسؤولية التنسيق ودعم التكامل التنموي بين المدن الجديدة والمدن القائمة المحيطة بها، ومتابعة سير العمل في تنفيذ خطط المدن الجديدة. * مختص في التخطيط العمراني والتنمية