"أنا من ماتَ، ومن مات أنا، لقي الموت كلانا مرتين" إلى تلك اللحظة التي فقدت الحياة بعدها، إلى تلك التي جعلت القلب يتفطر حزناً ودمعاً. إلى تلك الكلمات ومعانيها التي تخرج من صميم الروح، التي ترسم وتترك أثراً في هذا الوجود. دون أن تمحيها الذكريات ولا الأيام ولا السنين. إلى تلك القُبلة الأخيرة التي سوف تبقى في ذاكرتي طوال حياتي، لأنها لن تتكرر. إلى تلك التي افتقدنا لصوته وهو ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح. لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون. في ليلة ال 23 من شهر رمضان المبارك رحل أبي، بعد أن غزاه المرض فتوكل على الله ثم صبر. كان صامتاً، فلم يجزع أو يسخط أو يشكي، ظل شامخاً حتى أتاه أمر الله، الحمد لله على قضائه. رحل ذلك المربي بعد40 سنة من العطاء في مدرسة التربية والتعليم، أجيال تلتها أجيال تدعو له بالخير وتعرف فضله. رحل ذلك الشيخ الجليل، بعد ما أفنى حياته في عمل الخير والتطوع. عمل بإخلاص لمساعدة الفقراء والأيتام في الجمعية الخيرية يبتغي وجه ربه الكريم. كان متسامحاً مع الجميع، كان صافي القلب، طيب المعشر يحب الألفة. كان يحب أن يرسم البسمة والحب على من حوله. ملك قلوب الناس بحسن تعامله مع الجميع الصغير قبل الكبير وكان طيب الخلق واللسان.. كان حكيما وخفي العمل، يلجأ إليه من أتعبته مرارةُ هذه الحياة لمعرفتهم بحكمته ورأيه. رحمك الله يا أبي، رحمك الله أيها العبد التقي الغني الخفي. أسأل الله أن يجعلك بالفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فكنت نعم الأب والصاحب أنت. وأسأله أن يجعلك ممن ابتُليِ فصبر وشكر.