هكذا هي سنّة الحياة.. وهذه هي الدنيا وهذه هي عاداتها.. من عادة الدنيا فراق الأحباب.. المصيبة.. أن يكون فراقاً لا لقاء بعده.. في هذه الدنيا الفانية، رحل عمي، رحل أبو أحمد، رحل (عبدالعزيز بن عبدالعزيز المنقور)، رحل صاحب القلب الأبيض.. وصاحب الابتسامة الدائمة.. والطيبة والوجه البشوش.. رحل أبو اليتامى والفقراء والمساكين.. رحمك الله يا عمي.. * * * أنا لا أدري هل أعزي نفسي.. أم أعزي أبناء عمي.. أم أعزي الناس فيه.. هو ليس فقيد أسرته فحسب.. هو فقيد حوطة سدير.. نعم هو فقيد حوطة سدير الكبير.. رحمك الله يا عمي.. * * * نشأ يتيماً وحيداً لأمه.. لم ير أباه.. فقد مات وهو في بطن أمه.. شق طريقه في هذه الحياة الشائكة.. كان اعتماده على الله.. سلاحه حسن النية والنبل والطيبة.. أعطاه الله على قدر نيته.. جاءته الدنيا على ما يتمنى، أعطته ما يريد.. لكنها لم تستطع ان تأخذ منه طيبته..، وتواضعه وصفاء سريرته.. فسخرها لمدينته وأبناء مدينته.. حمل على عاتقه همومها.. يخرج من هذا المسؤول ويدخل على الآخر.. لم يكل، لم يمل، ولم يتعب.. نصف قرن من الزمان أو أكثر.. لم يكن يوماً يسعى لمصلحته الخاصة.. بل كان دوماً يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. رحمك الله يا عمي. * * * كان جسده يقيم في مدينة الرياض، وقلبه كان مقيماً في حوطة سدير، كانت حوطة سدير توأم روحه.. وكانت قصة عشق خالدة.. كم كانت فرحته غامرة عندما بشرته.. وهو على السرير الأبيض في المستشفى.. يكابد الأوجاع والآلام.. بنجاح جهوده ومساعيه.. بتخصيص أرض للكليات في الحوطة.. رحمك الله يا عمي.. فقد غلبت الذي كان قبلك.. وأتعبت الذي سيأتي بعدك. * * * كان يوصيني ويذكرني مراراً وتكراراً.. السمعة الطيبة كالجوهرة الناصعة.. بالمال تستطيع ان تشتري الجواهر كلها، لكنك لا تستطيع ان تشتري هذه الجوهرة، لأنك لا تستطيع ان تشتري قلوب الناس، ولكنك تستطيع ان تجعل هذه القلوب تهفو وتهوى إليك، بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، رحمك الله يا عمي.. * * * زرته في المستشفى فأخبرني.. انه انتهى من كتابة قصة حياته.. وهو لا يعلم رحمه الله ان آخر صفحة في كتابه كانت آخر صفحة في حياته.. رحمك الله يا عمي.. * * * زرته قبل وفاته بثلاثة أيام ولمحت الضجر والضيق على محياه، لأن العملية أجلت يومين آخرين.. وهو لا يعلم رحمه الله انها تسوقه لقدره المحتوم.. طبت حياً وميتاً يا عمي.. ورحمك الله وأسكنك فسيح جناته.. وألهمنا من بعدك الصبر والسلوان.. عبدالعزيز بن إبراهيم بن عبدالله المنقور حوطة سدير