آخر حفلة غنائية أقيمت في الرياض كانت في عيد الفطر الماضي، وذلك رغم السماح بعودة الحفلات إلى الفضاء الاجتماعي السعودي منذ سنة تقريباً، ورغم الجهود الخارقة التي تبذلها هيئة الترفيه بفريقها الرائع الذي غطى بنشاطه وفعالياته أطراف المملكة. فما الذي أعاد الترفيه الغنائي إلى سابق عهده، نشاطاً مؤقتاً مرتبطاً بالمناسبات فحسب؟ وما العوائق التي تمنع تحوله إلى نشاط يومي يندرج ضمن السلوك الاعتيادي للمواطن؟ ليست الحفلات الغنائية فقط، بل حتى المسرح مازال مرهوناً بمناسبات معينة وبجدول نشاط محدود لا يتجاوز مجموعُه الشهر الواحد في السنة الواحدة، بما في ذلك المسرح التجاري الذي تنظمه مجموعة MBC لنجوم الكوميديا العرب. مع أن هيئة الترفيه فتحت أبوابها لأصحاب المشروعات الطموحة وأعلنت تقديمها دعماً لا محدوداً لكل منتج يرغب في استثمار المسرح. فلم لا نرى صدى لهذا الدعم حتى الآن؟ عندما بدأت هيئة الترفيه نشاطها توقعنا أن يبادر متعهدو الحفلات والمنتجون بابتكار المناسبات التي تضمن حضور الترفيه طيلة أيام السنة؛ حفلات غنائية نهاية كل أسبوع، ومسرحيات تجارية في أغلب المدن، لكن التجربة التي عايشها كل منتمٍ لهذه السوق الوليدة، أوضحت أن الخلل ليس في دعم الهيئة ولا في مبادرات المتعهدين، بل في عدم وجود مسارح تجارية خاصة تحتضن الفعاليات الترفيهية وتستثمر فيها بشكل مباشر. المسارح الموجودة في المملكة إما أن تكون ذات مرجعية حكومية أو مملوكة لجهات خاصة لا تستثمر في الفنون، مثل الجامعات وغيرها. هذه المسارح لا تستطيع أن تنظم الحفلات الغنائية أو الأمسيات الشعرية أو المسرحيات بشكل مباشر، ولا يحق لها الاستثمار إلا وفق صيغ تعاقدية معقدة بين أكثر من جهة، وفي مناسبات محددة، وحتى لو فتحت الباب أمام مستثمر ما فستكون مرة أو مرتين في السنة، وتتعطل في بقية الأيام. مسارح مثل التي في جامعة اليمامة ومدارس المملكة وجامعة نورة مؤهلة تماماً لاستضافة أكبر الأحداث الفنية، لكنها معطلة لعدم وجود صيغة تتيح للجهات المالكة لهذه المسارح باستثمارها، إلى جانب أن الهدف الأساسي من إنشائها لم يكن استثمارياً منذ البداية. في دول العالم المتقدمة التي تنهض فيها صناعة الترفيه، نجد أن المسرح الخاص هو الركيزة الأولى الذي تعتمد عليه هذه الصناعة. المسرح الخاص كيانٌ مستقل بذاته، يسعى مالكه إلى استقطاب الزبائن كل يوم وفي كل فرصة ممكنة. يبتكر المناسبات والحفلات والفعاليات، ويتفق مع الفنانين، وينتج المسرحيات، وينشط طيلة أيام السنة، من أجل تحقيق الربح الذي من أجله أُنشئ هذا المسرح. في برودواي المسارح مملوكة لشركات ومستثمرين، وأهم مسارح بريطانيا مملوكة لتاجر واحد هو السير كاميرون ماكنتوش، وذات الأمر في كثير من العواصم الفنية. المسرح كموقع هو نافذة استثمار خاص ولا بد أن ننظر له هكذا إذا ما أردنا العثور على تفسير لسبب ضعف حضور الترفيه في حياتنا اليومية. هذا هو الجزء الذي ينقصنا من معادلة صناعة الترفيه، ولن يتحقق إلا بإيجاد صيغة تشريعية تسمح لأي مستثمر بإنشاء مسرحه الخاص ومنحه الحق في استثمار هذا المسرح وملئه بكل الفعاليات الترفيهية الممكنة، حفلات غنائية وأمسيات شعرية ومنوعات ومسرحيات الخ.