ولأننا في حركة مستمرة فإن نموذج فضاء الاحتمالات يساعدنا في أن تكون حركتنا ذات إيقاعات مليئة باليسر والسهولة ولذلك قدم لنا هذا النموذج قواعد للتوازن كي نضمن حسن السير وسلامة المقاصد. والمسلمة التي ننطلق منها هي: أن كل شيء في الوجود يميل إلى التوازن وأنه لولا هذه المسلمة لمالت حياتنا إلى الاضطراب والفوضى وباتت يستحيل استمرارها وأن تتوازن فهذا أن تتعادل وتتساوى بكيفيات/كميات لا يطغى فيها جانب على جانب فتتجاوز الارتباك أو الخلل الذي يمكن أن يصيب الدور أو المجال الذي تقوم فيه أو الذي تتواجد فيه وليس ذلك وحسب بل وتترابط تلك الأدوار/المجالات فيجعلك تعيش حياتك بشكل منسجم ومتناغم فيتعاقب خريفك مع ربيعك وألمك مع فرحك وبكاؤك مع ضحكك والليل يعقبه نهار والفشل يصحب معه في نفس الوقت النجاح والنهايات/الموت في خضمها تأتي البدايات/الولادة أقول كل ذلك يتعاقب فينا دون تعثر وتوقف أو انحصار وتكوم بل كل ذلك يتم بإدراك واستيقاظ لتفعيل/فعل السريان والتدفق. ونحن في حديثنا عن التوازن كونه القانون الهام في الوجود أو هو أبو القوانين فمن المتعين علينا أن نتحدث عن فكرتين كالتالي: الفكرة الأولى: أن هناك شيئا يسمى (فائض إمكان/إمكان فائض) أو (قوة كامنة) لها احتمالية التفّعل عندما تقوم بإعطاء قيمة عالية لحقيقة شيء ما بحيث يشير السهم كما يقول زيلاند إلى أقصاه كأن تعطي حكما على أحد زملائك بأنه فاسد كل الفساد أو أنه لئيم كل اللؤم فهذا يخلق فائض إمكان الأمر الذي يحرك قوى التوازن كي تتقدم تجاهك فتلكمك على أنفك كي تعود وتخفض من القيمة العالية التي حكمت بها على زميلك وهنا ثمة قاعدتان: الأولى: أن كل الأحداث في حقيقتها لا تتحمل سوى قيمتها الحقيقية أي أنها لا تقبل ولا ترحب بالمبالغة وهذا انسجام مع قانون الكون العام منسجمة في ذلك مع بعدها الكوني والثانية: أن كل مشاكلك وعثراتك إنما هي مظهر من معاركك الخفية مع قوى التوازن. والفكرة الثانية: أن قوى التوازن تتفّعل بشكل ديناميكي لإرساء التوازن وإلغاء فوائض الإمكان ومن المؤكد أنها قوى غير مرئية وتعلب في مساحة كبيرة من حياتنا. والمنهج القرآني هو منهج غاية التوازن قال تعالى (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) وننبه هنا أنه لم ينهه عن المرح والذي هو البهجة والفرح وإنما نهاه عن المشي متفاخرا بنفسك تجر الخيلاء والتشاوف والتعجرف لأنك لو فعلت ذلك ستتحرك قوى التوازن لتعطيك لكمتها الموجعة والذي معه يبدأ مسلسل أنينك الذي يطول ويقصر حسب ما فعلت من إخلال/فائض إمكان. وجدير بالتذكير للمهتمين بدراسة نموذج/نظرية الترايسيرفينغ بأن مما يذيب الانحصار الطاقي الذي تخلقه بسبب فائض الإمكان ويسمح لقوى التوازن بأن لا تلكمك هو وعيك واستيقاظك بأنك بالغت من أهمية شيء من شؤونك مما جعل السهم يشير إلى أقصاه وعليه فإن استيقاظك ووعيك بتلك المبالغة كفيل بتحويل مبالغتك/الانحصار الطاغي إلى سريان وتدفق. وكلما كان لدينا توازن كلما ارتبط ذلك بمشاعرنا فتتكون لدينا المشاعر المبتهجة المنتعشة وإذا وصلنا إلى هذه المرحلة استطعنا تطبيق فكرة (إِن لجسدك عليك حقًّا ولربك عليك حقا) كما قاله سيدنا وحبيبا محمد عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.